عندما كنت جنيناً
على حوض أمي
كنت أتناول طعامي جاهزاً
من دمها الأحمر المعتق بتاريخ الأمومة
وكان يأتيني سائلاً
وعندما أصبحت طفلاً تطورت
وصرت استخدم يدي ورجلي
أضرب صدرها
أبحث عنه
لكي أشرب طعاماً
وكان يأتيني سائلاً
ثم كبرت وذهبتٌ للمدرسة
ولعبت الكرة
وعطشت كثيراً
وكثيراً ما كنت أركض
كالحصان المذعور
إلى صنبور الماء المسروق
لكي أشرب الماء
واضعاً
فمي الكبير على معدنٍ نحاسي
لا لون له
لأني ألهث
والذين يلهثون غالباً
لا يفكرون
وأبدأ بشرب الماء والقليل من
الأوساخ
وعرق الطلاب
وطباشير الأساتذة
ولكن كنت أشرب الماء
الذي كان كما دائماً سائلاً
وكبرتُ أيضاً
و زاد اللهث والتعب والأوساخ
وأصبحت شاباً محاصراً
بالعادات وبالمخابرات
ألهث وأنا أصعد ليلاً
على درجنا
مع نغمات الصدى
المليء بالخوف وسكون الليل
وخوف الأمهات
وصرخات الإذعان
من السنديان
إلى اللوز
إلى رحيق الأزهار
إلى ألحان الطيور
إلى جلسات مجلس الشعب
ألهث لأصل إلى منزلنا
المليء بالأوهام
أوهام الخوف
أوهام الماضي المالح
بعذابات الحرية الشمطاء
بالدوائر الثلاث
بالنظام الأبوي
بالخوف الأبوي
ألهث حتى تضع أمي قبلة
على خدي العتيق الجديد
قبلة فرح
بلقاء يتجدد برضاء
الحرية المعصومة
تحت أو فوق
عصاية العكداء
أدخل إلى غرفتي
أمسك زجاجة من الماء لأضعها على فمي
من دون مراعاة الأخلاق أو الصيام
لأشرب الماء
لأشرب سائلاً
مع عائلتي وقبلة أمي
السائلة المرنة التي أزيلها بقليلٍ
من الماء
ولكن لم أع أهمية السوائل
حتى تعرفت إلى سائل جديد
أشد إشباعاً من الماء
أثقل من الماء الثقيل
وأخف من الماء الخفيف
أهم من ماء نهر الأردن
وأهم من ماء زمزم
وأهم من الماء الذي يمزجه
بولس سركو
مع الكحول
أو مع الألوان
ماءُُ يختصر بعد
الله عن الأرض
وبعد الشيطان على السماء
ماء أشد ناراً من نار جهنم
وأشد برودةً من ميتٍ لن يجدوه
أهله بعد الحرب العالمية الثانية
في جبال الألب
ماء كالمادة لا يفنى
ولا يخلق من عدم
هو ماء شفتيك الصغيرتين الزهريتين
المرصعتين بتجاعيد الأنهر الشرقية
الممتلئتين برائحة الصنوبر البري
المجفف بزهر الليمون
مع قليل من نبيذ
سيء الصنع من إنتاج بلادي
فماؤك ماء يختلف عن تاريخ
علاقاتي بالسوائل
لأنه خُلق لي
وسأكون مستغلا وحيداً له
طالما استقر قلبي في بادية أنوثتك
الشرقية الحمراء
المليئة حتى الآن برحيق ماءك
الذي يبقى سائلاً




بشار سبارت سوريا