فخ الثقافة الشعبية
2009-06-15
كثيراً ما تدخل أو تترسخ ولفترة ما ظواهر قد لا تعبر بالضرورة عن حقيقة هذا المجتمع من ثقافة أو فن أو فكر. وكثيراً ما تتأثر المجتمعات بما يسمى عقلية العصر أو الذهنية التي تحكم غالب العالم وتتأثر بها، ولا نستغرب وصول ظاهرة في الغرب الأمريكي إلينا بعد أن نراها مرة أو مرتين على شاشة الفضائيات العربية والانفتاح العنيف الذي أصاب الأمة العربية على جميع المجتمعات العالمية وخاصة الغربية وبسيطرة الفكر العولمي الذي جعل من العالم قرية صغيرة جداً فنُمطنا كما هي العادة بالغرب وبعاداته .دخلت في الفترة الأخيرة موجات فنية (موسيقية)سيطرت على مجتمعنا أو في طريقها للسيطرة منها الداخلي وهو الأخطر لأنه يزاحم تراثنا الفني ومن الممكن أن يقضي عليه وخارجي كما تكلمنا سابقاً وهو الغربي والذي يدخل إلينا بواسطة العولمة –التلفاز،الإنترنيت- وتكمن المشكلة كما كان دائماً في العقلية الرأسمالية التي تستغل أي شيء ليكون مصدراً للربح فالفن وخلال تاريخه بعد أن كان معبراً عن حالة الشعوب وحاجتها أصبح في زمننا الراهن تعبيرا عن استغلال للشهوات والغرائز المكبوتة ومكاناً للاستغلال المادي بأبشع حالته فحتى الفن لم يستطع تخليص نفسه من سياسة التشيء التي تقوم بها الرأسمالية ضد جميع القيم الإنسانية أو الأخلاقية وبدأنا نرى على شاشتنا التي تطلق على نفسها شاشات فنية جميع أنواع الانحطاط الفني أو الجسدي وفقد الفن بهذا دوره في أن يكون خادماً لقضايا الشعوب أو أن يشكل حالة جمالية لا متناهية للعقل أو الروح وأصبحنا أمام حالات فنية تبتعد كل البعد عن خلفيتنا الثقافية أو الفكرية وكلماتها ككلمات طفل بدأ يتعلم الكتابة وألحانها كضجيج الطرقات في وسط اتستراد المزة وأصوات مطربيها كأصوات عكيدت باب الحارة وكثيراً ما أرى العجائز في مجتمعاتنا تنفر من هذه الموسيقى الحديثة وتقول"شيلوا ها لأصوات انصرعنا" فالجيل السابق من المثقفين إلى العاديين تربوا على فيروز وأم كلثوم والسيد درويش وديع الصافي ورائد الأغنية السياسية الشيخ إمام فكيف لهم أن يتحملوا هذه الموسيقى الجديدة أو هذه الأصوات الجديدة وبدأنا نعيد النظر بمصطلح "الفن خلق ليكون خدمةً للإنسان" فإن كان هكذا فن خدمة للإنسان فعلى الدنيا والإنسان بل والإنسانية جمعاء السلامة ولاشك أن الفن يجب أن يبقى مكرساً لخدمة مجتمعه وفي النهاية الفن هو الحالة الفوقية التي تنعكس من خلفيات المجتمع الثقافية والفكرية فهل هذا الفن هو خلفيتنا الفكرية أو الثقافية أو لو كانت كذلك هل نقبل بها تمثيلاً لنا سؤال ليس بإشكالي أضعه أمام الجميع.الانفتاح الداخلي الذي شهدته سوريا منذ بضعة أعوام جعلت بعض رؤوس الأموال تتجه نحو الاستثمار وكما هي الأفكار الرأسمالية تسعى إلى استغلال مالها بأي طريقة من الجسد إلى القيم فهي ذات تفكير مادي أحادي وبدأت هذه الشركات تتكاثر كإناث الأرانب والكل وعلى حد قوله يقدمون ما يسمى فن وفنانين الثقافة الشعبية والثقافة الشعبية تعريفها إشكالي جداً في الوقت الحالي ولكن دعونا نعود للأدبيات الماركسية فمصطلح "الثقافة الشعبية" جاء من مصطلح ألماني"كيتشا" تعني الشيء السطحي المبتذل وقلة الذوق ويكمن شرحها بما يلي مزيجاً من مؤلفات جنائية وجنسية،سفيهة لا أخلاقية وسينمائية وأضيفت أليها فيما بعد منتجات فن الجنس وما مائل من نتاج صناعة التسلية والاستهلاك إن "الثقافة الشعبية" "الكيتش" يغرس في وعي الإنسان عبادة السوبرمانات والنجوم على الموضة صارفاً إياها عن الواقع لحاجاتي فالفن الذي يسمى بالشعبي سطحي مستغل للغرائز الجنسية من خلال الراقصات الذي يزينون المطربين خلال ظهورهم لنا في الفيديو كليب والكلمات المبتذلة التي لا تعبر عن أي شيء في العالم إلا بعض كلمات ممكن أن يقولها طفل صغير يتعلم النطق ورمي الكلمات والألحان متماثلة كلها لا تختلف عن بعضها بشيء وتتأكد ثقافة الاستهلاك بغزارة الإنتاج ووجوه المطربين بشكل دائم .
أقول أخيراً أنني في بداية المقال قد ذكرت بما معناه مخاطر الانفتاح على الغرب ليس كرهاً أو انغلاقاً على الغرب بل لكي لا يكون انفتاحنا على الغرب دون ضوابط ترتبط بقيمنا وأخلاقياتنا أن لا يكون هذا الانفتاح على حساب أطفالنا وشبابنا الهشة الفكر والتي لا تستطيع أن تتفهم الانعكاس الفني للمجتمعات الغربية فالتفكيك والشرذمة التي أصابت الفكر الغربي بشكل عام تختلف عن طريقة التفكير الكلاسيكية التي تتحكم بمجتمعنا مما يؤدي إلى الكثير من القيم الاستهلاكية ولا أخلاقية وتواتر سماع أطفالنا وشبابنا ومجتمعنا لهذه موسيقى يجعلنا لا نعرف القيمة الروحية ألا متناهية للفن وللموسيقى و تصبح المادة الفنية –الموسيقى- التي تحكمنا من الداخل أو الخارج مرسخة للقيم السطحية والاستهلاكية الغرائزية والتشيوئية وتصبح أجيالنا عبدة الموضة وما يريده فنانين العصر الذين أصبحوا في أكثرهم- للأسف - مرسخين أو مساهمين في ترسيخ العهر الفكري ولا قيمي ونبتعد أكثر وأكثر عن قضايانا وهمومنا وسأكون كما قال المسرحي سعد الله ونوس محكمون بالأمل وأنا أطلقت على هذه الظواهر موجة لكي تكون فقط مرضاً يختبر مناعتنا .
نوار جبور
08-أيار-2021
11-كانون الثاني-2010 | |
13-تشرين الثاني-2009 | |
11-أيلول-2009 | |
15-حزيران-2009 | |
08-حزيران-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |