شؤون العلامات (من التشفير إلى التأويل) / الكتابة مغطسةً بالشوكولا
خاص ألف
2009-05-29
إنّ مجرد كلمة " دراسة " كافيةٌ لتضعنا أمام نمطية معينة من الكتابة ما يجعلنا متوجسين حذرين لحظة القراءة التي تحيلنا إليها تلك المفردة فيما هي مرسومة على جدار الكتاب.
وهذا الرسم هو ما يجعل الأعصاب مشدودةً ويتطلب منك تركيزاً مضاعفاً للسيطرة على تفاصيل المفردات وخاصة تلك الإحالية منها لأنّ أيّ حلقة ناقصة في السلسلة ستؤدي بك إلى الضياع، وإن النسيان لن يقودك إلى الحكمة كما في حكاية فتى موسى، لكن ماذا لو كان مرسوماً على الجدار ذاك مفردة من مثل / رواية- مجموعة شعرية..../.
هنا مكْمن اللذة، فإنّ اللذة تكمن ربّما في ذلك الشرود الذي ينتابنا ونحن نقرأ دون أن تستدعينا القراءة إلى الانتباه وإعادة المقروء في أول حالة شرودٍ جميل، وهذا بالضبط هو أحد مميزات الأدب الجميلة التي تبقيك في الشرود الجميل دون الحاجة إلى العودة أو هي ربما دعوة إليه، وهذا هو ما يدفع البعض إلى تناول القراءة تلك قبيل النوم أو في حالة إرهاقٍ خفيفة ما يهدهدهم للتماهي مع اللعبة المحاكة لا لفكها قدر المحاولة للوقوع فيها عن عمد.
ولكن ماذا عن الدراسة بوصفها لذة ومتعة، وهذا بالضبط ما أرنو إليه من خلال قراءتي لكتاب الدكتور خالد حسين (شؤون العلامات / من التشفير إلى التأويل)، حيثُ يقولُ في مقدمته: " من الضروري الإشارة إلى أنّ هذه القراءات تنوس بين الأكاديمي والصحفي، بيد أنّي في الحالتين لم أتخلّ عن القراءة- الكتابة، بوصفها متعة، لعباً. مغامرة في تضاريس البياض".
لقد قرّر بداية نصب الشباك، ما يجعل القارئ أيضاً متأهباً للوقوع فيها، من خلال تواطؤٍ ما بين المؤلف والقارئ على الشرود في غمرة القراءة التي لن يضيرنا إذا ما قرأنا وشردنا خلال القراءة عكس الأكاديمي الصارم الذي يدفعك الشرود فيه إلى الشعور بالغباء فلا ترى نفسك إلاّ مضطراً إلى الرجوع إلى بداية الفصل للسيطرة على ما تشعبّ من القراءة.
إنّ ما يلفتُ في الكتاب هو المقدمة التي تعرض عليك اللعبة منذ البداية لتلعبها بمتعة ولذة، فتحصل على المعلومة واللعبة، وكأنها مكعبات تقودنا التسلية بها إلى خلق أشكال جديدة، وهذا سيدفعنا إلى الاعتقاد بأن المؤلف أكاديميّ بالخطأ، أو أنّه لاعب بارع في لعبة الكلمات، فالكتابة هذه هي محاولة نصب فخاخ الأدب في الدراسة.
في الفهرس نلاحظ أنّه غير موضوعٍ أوّل الكتاب وكأنه ضامن لما سيعلق في الشباك المنصوبة في المقدمة والإيقاع بالقارئ قبل قراءة الأخير للفهرس ليقرر ما إذا كان سيخوض المغامرة أم لا.
والذي سيعمق ذلك الشعور هو قراءة الفهرس، فما الذي ستفضي إليه عناوين الفصول والأبواب إلاّ إلى الغوص فيها حتى النهاية فنقرأ مثلاً: / مغامرة الكتابة- مطاردة العلامات- اجتياح العالم، انذهال الكائن.../ .
في الباب الثالث/ في الصورة والتشكيل- الفصل الأول: اجتياح العالم، انذهال الكائن، أو جنون الصور/، نقرأ ما يلي:
" يتبدى المشهد الكوني كما لو أنّ الأمر يتعلق بغزو مؤجل، فانفلت من عقاله في غفلةٍ مريعةٍ من مشيئة المقتدرين على أمره، وبانذهالٍ صامت ومحيّر من الطرف المستهدف بالغزو، هكذا حال العالم اليوم بمواجهة سيل الصور وهي تجتاحه تحت طائلة الهيمنة الإمبريالية الجامحة لجنونها، تأتي الصور لتنتقم لحضورها- الغائب في غمرة الزمان المنقضي، لتستيقظ فجأةً وتلتهم (( العالم)) بلذةٍ، وتحاصر الكائن الإنساني بطريقة لا مثيل لها "
في هذا الفصل يحكي المؤلف عن سيطرة الصورة وجنونها على المتلقي في عملية تجرّده من الاختيار وتفرض عليه توجهاً تريده، إذاً وفي الجهة المقابلة هل تعني الكتابة إعطاء الخيار للقارئ؟ أم أنها دعوة لعرض الكتابة مشفوعة بالإغراء، في لعبة الكلمات المغطسة بالشوكولا.
الكتاب: شؤون العلامات (من التشفير إلى التأويل)
الكاتب: خالد حسين
الطبعة الأولى: دمشق/ 2008
الناشر: دار التكوين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[email protected]
نجيب
2018-09-14
شكرا
08-أيار-2021
07-نيسان-2018 | |
17-تشرين الأول-2015 | |
24-أيار-2014 | |
20-نيسان-2014 | |
23-حزيران-2013 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |