مقالتان عن باب الحارة وحقيقة العكيد الذي خرج من باب الحارة ثوريا ! بولس سركو و
نوار جبور
2009-05-31
العكيد خرج من باب الحارة ثوريا ! بولس سركو
قطعت حياتنا الاجتماعية أشواطا بعيدة في التحرر من شريعة الغابة التي كانت سائدة في زمن مسلسل باب الحارة ، زمن الاحتلال الفرنسي ، وذلك بفضل النضال القاسي الذي خاضته القوى السياسية العلمانية على محوري تحرير البلاد من الاحتلال وتحرير الطبقة المسحوقة من الشعب من عمال وفلاحين ونساء وغيرهم من تسلط سلسلة من الزعامات التقليدية المحلية التي قاسمت الاحتلال مصلحته في إدامة الوضعية المتخلفة لأبناء الشعب السوري ولا يبدو نزوع بعض تلك الزعامات التي ظهرت في المسلسل نحو الخيار الوطني سوى تزاحم على التحكم بمصير الناس وإدارتهم بالعقلية المتحجرة التي تميزها وليس –على الإطلاق – إنقاذهم من القهر والاستعباد والرضوخ ، فالحقيقة أن حارة (باب الحارة ) هي بؤرة متخلفة بامتياز وبكل ما تعنيه الكلمة من معنى ، بؤرة للأمية والجهل والجمود وروح العبودية والمرض والعنف والفوضى والاعتباطية والفردية الأنانية وانحلال الشعور الجماعي وانحطاط المرأة والفقدان المزمن لقدرة الإنسان على السيطرة على مصيره وحماية ذاته وهذه البؤرة المتخلفة العفنة هي المكان الوحيد الذي يمكن أن تحيا وتتألق فيه شخصية كشخصية العكيد وتحتل مكانة السلطة التنفيذية في غياب مؤسسات حقيقية للدولة ، فمن هو العكيد الذي خرج من باب الحارة ثوريا مقاوما ؟
العكيد في الحقيقة التاريخية، وليس كما صوره المسلسل، هو نتاج مجتمع القهر والتسلط ، رجل دموي ، موتور ، شاذ ، متربص ، كان يدل على نفسه بمشيته الخاصة إذ يجنح على أحد جانبيه حيث تلتصق إحدى يديه بثبات على ذلك الجانب تحسبا لأي طارىء يستدعي سحب ( الكندرجية أو السبع طقات ) وتلوح إلى أقصى الأمام والوراء يده الثانية ، وجهه موروب بعكس (وربة ) جسده وعيناه لامعتان حمراوان تزوران كل من يقع في مداهما ، لهجته سوقية ثقيلة مشبعة بالقذارات والشتائم والسخرية والتهكم والكذب والنرجسية ، ( قدماه تشحشطان ) بحذاء ( مبوز ) من الأمام ، مكسور الخلفية ، يسهل رميه بسرعة لدى نشوب شجار متوقع في أي لحظة وقد لا يكفي العكيد كل ذلك ( الاعوجاج ) للتأكيد والتعريف بنفسه فكان يلجأ بين الحين والآخر للتحرش بأي عابر سبيل فيشتمه أو يبصق في وجهه ويهينه وقد يسيل دمه على مرأى من الجميع 0
العكيد شخص متعلق بالشعوذة والكحول وحشيشة الكيف ، والاعتداء الجنسي على الصبيان الصغار كجزء أساسي من ادعاء الرجولة وتعزيزها لديه ، وكان يحصل على دخله المادي بطرق مختلفة فهناك من عمل لصالح رئيس الدرك من وراء الكواليس وهناك من كان يتلقى أجور خدمات ( تشبيحية ) من العائلات الإقطاعية القاطنة في المدن وهناك من كان يقبض ( الخوة ) من التجار وأصحاب المحلات ومن أي عابر قد يصادف أن يحمل في جيبه ما يسد به رمق أطفاله الجياع فلا قيم تردع العكيد عن فعل أي شيء بما في ذلك السطو المسلح والاحتيال والنصب والقتل والاتجار بالعملة المزورة والمخدرات والسلاح 0
إن العكيد شخصية مقهورة ممن يعلوها في سلم الزعامات وتمارس القهر عمن هم أدنى منها من عامة الناس ، شخصية مريضة تتكون من تفاعل مجموعة من العقد النفسية ( النقص ، العار ، اضطراب الديمومة ، الشعور بالاضطهاد ) وهو ما يفسر
ارتفاع درجة توترها الانفعالي وردود فعلها المتطرفة ، السادية ،حيث لا قابلية لارتداد نار عدوانيتها إلى داخل الذات والتي فشلت بدورها في تحقيق حضورها الطبيعي فتحولت مشاعر الذنب المتولدة عن ذلك الفشل إلى سكاكين تجرح الروح ،تفتحها على مصارعها ليتدفق فيض من العدوانية المحتقنة ويغمر كل الآخرين، كل الآخرين مذنبون ، فاقدون لإنسانيتهم في نظر العكيد ، كلهم يهددون أمنه واستقراره ويترتب عليهم جميعا حمل وزر عدوانيته مما يسهل عليه تبرير اعتدائه عليهم واعتبار ذلك دفاعا عن النفس0
إن شخصية العكيد التي دلكت نزعة العدوانية ساعداها المفتولان ليصبحا شهادتها العليا وثقافتها وفكرها وحكمتها وشريعتها هي جزء من النسيج المتخلف الذي نشأت فيه ولا وجود لها خارجه ولذلك فهي تدافع عنه بكل ما تملك وكان لهذه الشخصية حضورها الفاعل في الهجمة الدموية الرجعية التي استهدفت التحولات الاشتراكية التي ارتقت بمجتمعنا وشعبنا أواخر السبعينات من القرن الماضي0
لهذا كله فان صورة العكيد مطابقة لصورة ( الإرهابي ) الذي يقتل أهله وشعبه من أجل ذاته بعكس صورة الثوري المقاوم الذي يضحي بنفسه من أجل شعبه وبلده وإنسانيته ، صورة الثوري تنفي صورة العكيد وبيئته وتراثه المظلم وكان من الأفضل ل (باب الحارة ) لو طرح شخصية جديدة في إطار كوميدي نقدي خفيف الظل على شاكلة أبو صياح و أبو عنتر بدل كل ذلك التكلف والشحنات العاطفية والتشويه للوقائع التي أخذ بها الجيل الذي لم يعرف عن حقيقة العكيد شيئا
بولس سركو
ما قبل خروج العكيد من باب الحارة ثورياً ـ نوار جبور
بعد قرأتي لمقالة الفنان بولس سركو (خرج العكيد من باب الحارة ثورياً) رأيت أنني أستطيع إضافة القليل لما كتبه بولس سركو ليس لنقص لأصاب المقال بل لزيادة الرؤية النقدية والموضوعية لظاهرة تصيب الدراما السورية هي المادة التاريخية ومن هذه الزاوية لابد لنا أن نتسائل كيف يعالج مسلسل باب الحارة المادة التاريخية التي يقدمها؟من الفترة الزمنية المحددة إلى طبيعة المجتمع وطريقة حكمه.
المسلسل يصور فترة الاستعمار الفرنسي فترة قبوع مجتمعاتنا في أقبية التخلف وعلى اثر التواجد الاستعماري من الأتراك إلى الفرنسيين و رسوخ الأفكار الرجعية عبر المؤسسة الدينية و القبلية و الجهل الأعمى الذي ساد ذلك الزمن كما كان سائدا إبان القرون الوسطى في أوروبا و خضوع المجتمع للنظام الأبوي لبطريركي الذي نمط الناس بالتبعية والانصياع لديوان المخترة كما بدا في مسلسل باب الحارة الذي اظهر صورة مبسطة لذلك النظام الذي يقبع في الواقع (المحتل)على رأس هرمه و يقبع تحته المتعاونين المذعنين من المخاتير و الشيوخ الجاهزين للإفتاء حماية للتدرج المذكور و لحماية مصالح التجار و الإقطاعيين المتمدنين و المحتكرين (شيوخ الكار)حيث تتحد السياسة مع الدين في حكم العوام بالنظام الأبوي البطريركي... يتحد السلطان و أتباعه من الطبقات المحتكرة برجال الدين لتطويع العوام و المحافظة على ولاتهم و جهلهم لحقوقهم و إذعانهم للسلطان الأب الكلي ...هذا هو واقع تلك الفترة الزمنية و هي صورة لا تتطابق مع صورة ديوان المخترة الذي صور لنا مسلسل باب الحارة على انه بيت من بيوت الفضيلة و الخير فألبس الطابع الاستبدادي قناعاً أخلاقياً
لنعطي التحليل العقلي فرصته لفهم الشخصيات التي قدمها باب الحارة على أنها شخصيات فاضلة .المختار: هو نتاج مفهوم متخلف ....يصل بالوارثة لمنصبه و يمثل مصلحة ذاتية أو عائلية و ليس بالطبع مصلحة عامة،والأعضاوات:هم مجموعة من التجار و الأغنياء و هم أيضا أصحاب مصالح شخصية و يتعاونون فيما بينهم على استغلال العامة و التحكم بمصيرهم بما يضمن مكانتهم و ليس أيضا بما يخدم المجتمع ،رجال الدين وهم صمام أمان للأعضاوات وللمختار فهم يقومون بالإفتاء على حساب العامة لترسيخ حكم المختار و والأعضاوات و (الاستعمار) ،العكيد و هو واجهة شريعة الغاب العلنية و المباشرة و هو حاميها و بطلها القوي المقدام الذي يحتاج إليه النظام الأبوي في حال تمرد احد العامة على هذا النظام و قد قدمت مقالة بولس سركو وصفا كافيا لتلك الشخصية و في النهاية فإن جميع الشخصيات المتحكمة بأهل الحارة تحركها قوى اقتصادية و جسدية و الغائب الفعلي هو العقل و التمثيل العقلي و الرقي الفكري و الأخلاقي ..... ما الذي قدمه لنا الكاتب مروان قاووق أصلا من الناحية الفكرية؟ ما الذي يقدمه من يعالج المادة التاريخية من أمثاله ؟
في الواقع هم يرسخون هذه المادة التاريخية بعيدا عن النقد الموضوعي ،ينسخون مفاهيم تعود لقرون مضت على حاضرنا متجاهلين ما دفعت خلالها البشرية من أثمان باهظة للتخلص من السلطة الفردية والاستغلال للوصول إلى العلمانية و الدستور،للتخلص من الضمير الفردي وصولا إلى الضمير الجمعي.
فهم يريدون إحياء المادة التاريخية بطريقة ترسيخية لا ثورية وأقصد بالثورية هنا (معالجة المادة التاريخية بطريقة نقدية موضوعية) فالكاتب ينسخ هذه المفاهيم التي تعود لقرون مضت على الحاضر متجاهلين ما دفعت خلاله البشرية ثمناً غالياً للخلاص من السلطة الفردية والاستغلالية التي تحكمت بأبناء تلك الفترة والوصول إلى العلمانية والدستورية والتخلص من مأساة الضمير الفردي وصلاً للضمير الجمعي أي الذي تتوحد من خلاله البشرية في أكثر مناطق العالم وهل تصح نظرية القياس التي تبتعد عن دراسة المادة من خلال زمنها ومكانها ودرجة تطور شعوبها أم لكاتب مسلسل باب الحارة فكر أخر فهو رسخ بعد بحثه الكبير في المفاهيم القبلية عن كل ما يرسخ استغلال المرأة ومساواتها بالعبيد وتخلف المجتمع وانحطاطه وعن تشريع شريعة الغاب مع الحكم الامبريالي المبطن بالمختار ورجال الدين والأعضاوات و وأبو الجميع أي المستعمر و هكذا نعرض على أجيالنا الهشة الفكر السهلة التنميط العبودية والقبلية والانحطاط والتخلف وجهل المرأة ولا عقل ونرسخها ونلبسها قناع الأخلاق ونحرف الدين و نموضعه في هكذا فكر أو فن أعمى ظلامي رجعي فهل يختلف مجتمع بن لادن ومجتمع باب الحارة بشيء سؤال أطرحه لكل من تابع باب الحارة أو ينتظر جزئه الرابع أو يسمح لأولاده بمشاهدته وهل تختلف المشاكل التي تقوم بمسلسل باب الحارة عن المشاكل التي يثيرها جيري لتوم في برنامج الأطفال الشهير ثم السؤال الأكبر لماذا يدعم باب الحارة لماذا تتنازع على عرضه شاشات الفضائيات العربية أو تهافت شركات الإنتاج على تقديمه أو تقديم أمثاله من المسلسلات والجواب لا يحتاج إلى الكثير من التفكير فجذور الاستغلال والاستبداد التي تحكم عقلية القوى الظلامية تحتاج لهكذا فن ولانعكاسه الفكري لتخضع شعوبها وتبقيها جاهلة عن حقوقها فحارة كباب الحارة ترسخ حكم الدين الموجه ،ترسخ حكم الغني وجهل الفقير،تطمس دور المرأة المعدوم أصلاً ،تنشر ثقافة الغابة التي تحكم عقلية القوى الظلامية،تقوية مفهوم النظام الأبوي ،طرح صيغة الأخلاق في فكر وأخلاق السلف الصالح التي طرحها باب الحارة بشكل وأخر ،جعل لغة الخطاب الإنساني بالقوة الجسدية والمادية دون الاقتراب من العقل لتغيب عقلية الوعي الشعبي للحقوق ، الحرية محددة تكمن في ما يراه المختار وأعوانه وهكذا تبقى الشعوب لدى هذه القوى على بعد آلاف الخطوات من التقدم والتطور لأنه لا نصيب للعقل إلا في التسيير ضمن ما يراه النظام الأبوي وهكذا وتتوالى ألينا أجزاء باب الحارة والمشاهد العربي من الطفل إلى العجوز يجلس أمام التلفاز منمطاً بما تريده مجموعات الإنتاج الخليجية بتصديره ألينا والكتاب كثيرون والممثلون أكثر دون النظر إلى الانعكاسات الذي يطرحها المسلسل فالكلام البذيء والضرب والصفع الدائم والمعارك الأسطورية والسكاكين المعروضة والزنود المفتولة والمرأة العبدة والمرأة الفاجرة والأنوثة المفقودة والعقل المدفون ما يعكس باب الحارة لأطفالنا ووصلنا إلى حد لبسنا فيه ملابس عليها شخصية باب الحارة فهو نمط أجيالنا وأدخلها فسيح تخلفه ورجعيته والمؤسف حقاً أن تكون نخب الدراما السورية هي من تمثل فيه وتظهر علينا في المقابلات التلفزيونية مادحة في المسلسل ومتكلمة عنه والأكثر إجحافاً بحق الدين والإنسانية قيام بعض الجهات الدينية والثقافية بتكريم المسلسل وتكريم أبطاله لتكتمل دائرة النار التي نضع شبابنا وأطفالنا بها فدعونا أرجوكم نستفيق من هذا المرض الخطير الذي يصيب كاهل الأمة ويؤخر تقدمها آلاف السنين ويجعل من نضال الشعوب خلال مئات السنين زجاج يسهل كسره.