هذا شابٌ من جيلي
2009-06-16
كيف بالله لا أفرحُ به، ولا أراهنُ عليه؟ مثلما كنّا، صغارًا، نراهنُ على سانت كلوز يأتي لنا بأحلامنا الصغيرة، وألعابنا، التي يوهمنا آباؤنا أنها لن تتحقق، لنجدها وقد تحققت جميعُها في ليلةٍ بعينها. الفارقُ، ربما، أن سانت كلوز يفعل ولا يقول، وهو ما أرجوه منه؛ أن يفعل ما قال، وألا يكتفي بالقول، والفارق الآخر أن سانت كلوز يحقق أحلامَنا ونحن نيامٌ، بينما يجبُ أن نعملَ بجدّ وألا ننام لكي يتحققَ ما وُعدنا به اليومَ، في خطابه التاريخيّ من أرض مصر.
فرحتُ بانتخابه رئيسًا لأميركا، منذ اليوم الأول. صحيحٌ أنني كنتُ أُمنّي النفسَ بفوز هيلاري كلينتون، ليس إلا لسبب خبيث في نفسي النزّاعة إلى تأنيث العالم، لكنني بالفعل فرحتُ بأوباما على مستويات عدّة: منها لونُ بشرته، الذي يحاكي لوننا الطمييّ الفاتن، وخلاياه التي يسري فيها عِرْقُ السُّمرةِ الأفريقيةِ، بكل إرثها وميراثها الساحر. ولكن الأهمَّ من كل ما سبق، والأخطرَ، أنه شابٌ من جيلي.
كنتُ أفرح كطفلة حينما يتولى أحدٌ من جيلي رئاسة تحرير جريدة أو مجلة، فرحت بفارس خضر رئيسًا لمجلة "الشعر"، وبطارق الطاهر رئيسًا لمجلة "الثقافة الجديدة"، وبخالد صلاح، رئيسًا لجريدة "اليوم السابع"، كأنما هذا إعلانٌ جَمعيّ بأننا، كجيل، قد نضجنا واستأهلنا أن نقولَ كلمتَنا، دون وصاية "الكبار"، الذين يتقنون قانونَ "انظرْ أمامكَ بغضب!"، إذا ما اعتبرنا أن "الأمام" هو المستقبلُ والشبابُ، في صيغة عكسية لمسرحية جون أوزبورن "انظرْ خلفَكَ بغضب"، التي كتبها في نهاية الخمسينيات الماضية، وما استتبعها من مدارس نقدية "عدمية" تنادي بقتل "الأب"، بمعنى دهس التراث القديم على مجمله، لأنه لم يورثنا إلا السَّلفية العقيمة والتأخر، ثم محاولة بناءِ تراثٍ جديد يصنعُه الراهنُ بأقلامٍ ومعاولَ ومباضعَ تخصُّ أبناءَ هذا الراهن. لم أحبّ هذه النظريةَ يومًا. بل اتخذتُ الموقفَ الضدَّ المعاندَ، وأوغلتُ في التراث بنهم الجائع، موقنةً أنني لن أفهمَ لحظتي ما لم أقف على اللحظة السابقة. وكما لم أحب النظرَ إلى الخلف بغضبٍ، يحقُّ لي أن أحنقَ على النظر إلى الأمام بغضبٍ، ليس وحسب لأنني بعضُ هذا "الأمام"، بل لأن الفكرة ذاتها عنصريةٌ ومصادِرةٌ على الجديد. لا شكَّ أن النجاحَ مواكبٌ لتوسُّل الدماء الجديدة، أيًّا ما شابَ هذه الدماءَ الجديدةَ من جنون ونزَق ولا مألوفية. ذاك أن كلَّ فكر عظيم، كان في بدايته محضَ جنون وغرابة، ثم سرعان ما تَثْبُت أقدامُه، إذا ما كان فكرًا حقيقيًّا وأصيلا. ليس إلا دماءً جديدة تخصُّ شابًا مثل باراك أوباما قادرةٌ على الوصول إلى تلك الفكرة البسيطة والعميقة في آن: أننا لسنا إلا مجموعة من البشر يتشاركون هذا العالمَ في لحظة قصيرة من عمر الزمان، وعلينا، من ثَمَّ، أن نحيا في سلام. والسلام لن يقوم إلا على حُسن قراءة الآخر، ثم قبوله، وإن اختلف معنا. ليس إلا دماءً جديدة تنادي بأن للمرأة الحريةَ الكاملة في أن تلبس ما تشاء، تغطي رأسها إن أرادت، شريطةَ أن يكون هذا الغطاءُ خيارَها هي، وليس خيارَ الأب أو الأخ أو الابن أو المجتمع. ليس إلا دماءً جديدة مَن ترى في اختلاف العقائد ثراءً يجب أن نحافظ عليه، وليس تطاحنًا وقذفًا واقتتالاً. "أنا صحٌّ وأنت بالتالي خطأ"، هذا خطابُ السَّلف النافي الآخر، أما الدمُ الجديد فلا يجدُ غرابةً في أن يكون كلانا صحًّا، ولا مدعاة من ثَمَّ لمجرد مناقشة العقيدة. فالأديان كلها لله الأكبر الذي خلق الكون لكل أبنائه، ليفكروا ويعمّروا ويتعايشوا ويحبوا، لا ليقتتلوا ويتناحروا ويهدموا. أما الأوطانُ فلكل الناس، مهما اختلفت ألوانهم وعقائدهم. ليس إلا دماءً جديدة ترى أن التطاحن بين أبناء العقائد المختلفة عبثٌ، فما بالنا بالتطاحن بين أبناء العقيدة الواحدة من الملل المختلفة مثلما بين السُّنة والشيعة! ليس إلا دمًا جديدًا يقرر أنه من العبث أن تفرض دولةٌ ما نظامًا سياسيًّا على دولة ما، أيًّا ما كان مركزُ الدولة الأولى أو الثانية. وأنْ ليس من ديمقراطية واحدة، بل أن الديمقراطيات عدة، مفتاحُها الرئيس هو راحة المواطن وأمنه ورفاهيته، التي إن تحققت، فذاك دليلٌ دامغٌ، بحقه الخاص، على أنها ديمقراطيةٌ ناجحة. وليس إلا دماءً جديدة تقرُّ، باعتراف المتطهرين، أن غزو أفغانستان كان حتمًا وردةَ فعل لما فعلته طالبان والقاعدة من تقتيل ثلاثة آلاف إنسان من خلق الله من أمريكان وغير أمريكان، بينما غزو العراق لم يكن إلا خيارًا سياسيا أخرق أفرزه عقلٌ غير ناضج حَلُم بسيادة العالم، ذات طيش.
عن اليوم السابع
08-أيار-2021
07-تشرين الأول-2017 | |
20-تموز-2014 | |
28-حزيران-2014 | |
18-حزيران-2014 | |
11-حزيران-2014 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |