الحرب الذاكرة
2009-06-25
خاص ألف
يقول بول ريكور عن الذاكرة: "نوع من المعرفة تشبه الإدراك والتخيل والفهم فالذاكرة تشيد معرفة بالأحداث الماضية " .
إن الذاكرة معرفة وليست مخزنا للأحداث وعندما تقوم الذات المتأملة في ذاكرتها فأنها تتأمل ذاكرة تجريدية للأحداث وإن ظهرت بسياق المتخيل السردي الذي يتقنع بالواقع الذي يتناص معه في محاولة لاستيعابه وعلى هذا نطرح سؤال: هل استطاعت رواية الحرب اللبنانية
والذي تجلت كأحسن تجلي في فترة السلم الأهلي منذ عام 1990 إلى الآن أن تقنن الحرب والسيطرة على تداعياتها كون السلم الأهلي الحاصل هو نتيجة وليس أصل مثلها؟! .
هنا يقدم عبدو وازن في منجزه النقدي " رواية الحرب اللبنانية , مدخل ونمازج" مقاربة جريئة وأولية في محاولة لترويض هذه المعرفة التي شيدت بنيان أبداعي جديد وخلاق دخلته الرواية اللبنانية وهذه الروية كما يقول وازن: لم تقتصر على معالجة الحرب فقط بل تعدتها لتشمل نواحي أخرى وهذا ما نستطيع القول عنه أنه تعافي على صعيد الذاكرة المعرفية من عبودية الحرب ومتتبعاتها.
يعالج وازن في كتابه عدة روايات كنماذج روائية تنتمي إلى أجيال مختلفة ليس في المفهوم الزمني الصرف وإنما في المفهوم الزمني المتعاقب وهي "رحلة غاندي الصغير" لإلياس خوري,1989 و"عزيزي السيد كواباتا" لرشيد الضعيف,1995 و"مريم الحكايا" لعلوية صبح ,2002 و"تقرير ميليس" لربيع جابر2005, و"امرأتان على شاطئ البحر" لحنان الشيخ ,2002 , و"مدرسة الحرب" لإسكندر نجار.2002 .
يقول"هايدن ويت" :التاريخ ليس موضوعا فقط بل علاقة بالماضي متوسطة بنوع من الخطاب المكتوب" هذا الخطاب المكتوب الذي رصدره الرواة تاليا على رصد شخصيات الرواية ومن ثم قلبه وازن على جنبيه, نضح بزمن متكسر وشخصيات إنْ لم تمتها الحرب فهي ترزح تحت ثقل هذه الحرب وكون هذه الحرب قد انتهت فكأن الشخصيات تريد أن تنسحب أو تتلاشى؛ ففي رواية " رحلة غاندي الصغير" فغاندي هو ذاته لا يتأكد من حياته أو موته كذلك" أليس" راوية السمع والبصر إلى الراوي الحقيقي تغادر وكأنها لم تكن وكأن الذكرى هي الوجه الآخر للواقع الغائب وللحاضر المتلاشي في الموات كما يقول "ميشال بوتور" لذلك يأخذ خوري طابع البحث والاختبار فهو يعيد قراءة تاريخ الرواية كي يتجاوز تاريخيتها وصولا إلى جوهرها وتجلياته, وقد اندمجت روايته بالواقع الذي تفضحه وتضيئه كما النص يندمج في بعده المعيش
وكأن الرواية عن الحرب تنشأ مسافة شفاء مفترضة وإن كانت فردية فهي لا تتفعل إلا في الجماعة الحية.
ثم رواية" عزيزي السيد كواباتا" لرشيد الضعيف كرسالة /رواية إلى هذا الشخص المجهول المتوفي انتحارا عام 1972 بعد أن حاز جائزة نوبل للآداب وهذه الرسالة إلى الماضي قريب بداية الحرب كأنها خطاب مضمر لكل هؤلاء المجهولين الذين أشعلوا الحرب واحترقوا بنارها
وعليه تأتي هذه المجهولية لجبّ كل محاولة في البحث عن متهم مفترض مع أن رشيد الضعيف كان كالأنتربولوجي الذي لايقنع بالاتهام لذلك قال على لسان إحدى شخصياته:" أنا الراوي والكاتب" وبمجاز آخر" أنا القاتل والقتيل",أنها محاولة للصلح في الماضي المستقبل.
"ومريم الحكايا " لعلوية صبح كالداية تنجب هذا الحمل الطويل لهذه الحرب عبر رواية تتبع بها أبناء هذه الحرب في زمن السلم الأهلي ولكن أليس هذا السلم هو ابن هذه الحرب فما أشبهه بها؟!.
أما حنان الشيخ العالمية الشهرة كالحرب اللبنانية توجه روايتها إلى القارئ الأجنبي الذي تغريه
مفارقات صراع الطوائف في لبنان وتقاليدها , وعليه ألم تكن هذه الحرب مرتهنة للتجاذبات الدولية بشكل كبير؟!.
ويختم برواية" تقرير ميليس" وهذه الرواية تقوم على مفارقة موت بطل هذه الرواية الذي عاش منتظرا هذا التقرير وكأنه سيزيل الرمل عن صخر الحقيقة لكن تبقى معلق هذه الحقيقة التي لم يقلها تقرير ميليس وإلى الآن مزال اللبنانيون يعيشون تداعيات الحرب وقبلها رواية "مدرسة الحرب" حيث تعلمك هذه الحرب الحياة في مدرستها ذات قسطي الحياة أو الموت .
فتأتي مقاربة وازن عبر هذه الروايات الست كرصد للشعور الفردي والجماعي ولاشعوره مع هذا الحرب, بحيث عن طريق مقاربة هذا النتاج الأدبي يتتبع سير صحة المجتمع وتعافيه أو نكوصه وتداعيه؛ فوازن لم يكن يبحث عن خصائص رواية الحرب اللبنانية بقدر ما كان يبحث عن خصائص السلم الأهلي الذي نشأ عن هذه الحرب.
"رواية الحرب اللبنانية ,مدخل ونماذج" صادرة عن دار الصدى 2009
باسم سليمان
[email protected]
08-أيار-2021
29-كانون الأول-2018 | |
02-حزيران-2018 | |
17-آذار-2018 | |
23-كانون الأول-2014 | |
04-آذار-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |