Alef Logo
يوميات
              

لغةٌ "قايلة" للسقوط

فاطمة ناعوت

2009-07-17


أظهرتْ دراسةٌ قامت بها مجموعة من العلماء البريطانيين أن النملَ لا يقبلُ إلا العيشَ في أفضل ظروف متاحة. في جامعة بريستول، وضع الباحثون النملَ أمام خيارات: أعشاشٌ قريبةٌ رديئة، وأخرى بعيدةٌ وجيدة. ولم أندهش حينما قرأتُ أن النملَ اختار المشقّةَ وصولاً للجمال؛ علمًا بأن المساكنَ الجيدةَ أبعدُ عن تلك القريبة بتسعة أضعاف المسافة. قليلٌ من النمل اكتفى بالمنازل القريبة، ثم سرعان ما عَدَل عن رأيه ولحق بالصفوة ممن لفظوا "الرداءةَ" طلبًا للجمال.
لا أدري لماذا تذكَّرتُ تلك الدراسة حين وصلتني رسالةٌ غاضبةٌ حول ركاكة لغة المصريين اليوم؟ أيةُ مقارنة عقدَها ذهني بين اللسان المصريّ الراهن، الذي "يستسهل" الركاكة، وبين النمل الذي يسعى نحو الكمال؟ كاتبُ الرسالة أستاذٌ في أمراض القلب بجامعة المنيا اسمه أ.د. ناصر طه. حزينٌ من موات اللغة العربية الراقية على ألسن أبنائها. قال إننا لم نعد نستخدمها حتى ضَمُرتْ داخلنا. شأنها شأنَ العضو الحيويّ الخامل الذي يفقد قواه، ليس جرّاء العمل، بل جرّاء الكسل والخمول والإهمال. حزينٌ لأن تلامذته بالجامعة، الذين حصدوا أعلى الدرجات في الثانوية العامة، يتحدثون الإنجليزية، ولا يلجأون إلى العربية إلا مضطرين، فيخطئون بها كأنهم ليسوا عربًا! حزينٌ وباك على لغتنا الجميلة، رغم تخصصه العلميّ، فماذا عن أرباب اللغة من شعراء ودارعميين وأساتذة البيان؟ حدثني عن تقاريرَ تصلُه من أطباءَ بالمستشفى مكتوبة بلغة رديئة زاخرة بالأخطاء النحوية، بل والإملائية. كان آخرَها التماسٌ وصله من طبيب مرؤوس يشكو زميلَه ويطالبه بأن يوقِّع عليه عقابًا (راضِعًا)!!
والحقُّ أن المرءَ ليندهشُ من عدم احترامنا لسانَنا العربيّ، في مقابل اعتزاز كافة أمم العالم بألسنهم الأم! فأنتَ لو ألقيتَ التحيةَ على مواطن ألمانيّ بالإنجليزية لن يرد عليك السلام! بينما في بلادنا نتباهى بمعرفتنا لغةً أوروبية، فندسُّ بين الحين والحين كلماتٍ أجنبيةً، ثم نخطئ في كتابة جملةٍ عربية سليمة! جولةٌ واحدةٌ في شوارع مصرَ تجعلُك تظنُّ أن بلادنا واقعةٌ تحت احتلال إنجليزيّ أو فرنسي؛ إذْ تجدُ محالاًّ اختارت أسماءها من معاجم الغرب: أويزيس، ستايل، لا جولي، سمارت شوب، دريم، سيزورس، موون سيكريت، إنفنتي، اتنشن، جرين فالي، دريم هووم، بيوتيفول آيز، الخ! رغم أن ترجمات ما سبق بالعربية، برأيي، أكثر جمالاً وجاذبية للمستهلِك: الواحة، أسلوب، الجميلة، الدكانُ الأنيق، الحُلم، المقصّ، سرُّ القمر، اللانهائيّ، انتباه، الوادي الأخضر، البيتُ الحُلم، العيونُ الساحرة. ولهذا انتبه الأذكياءُ، الغيورون على هُويتهم ولسانهم، إلى أن لغتنا قادرةٌ على إعطائنا معاني لافتةً وذكية فاختاروا لمحالّهم أسماءَ مثل: الإسكافيُّ السعيد، كراكيب، شبابيك، بساطة، فرحة، السلاملك، خير بلدنا، أيامنا الحلوة، لؤلؤ وأصداف، الخ.
كنّا قديمًا نعتزُّ بلغتنا، حتى ونحن واقعون تحت الاحتلال الإنجليزي، أما الآن، فنجد الإنتلجنسيا والكتّابَ أنفسهم فقراءَ البيان ركيكي اللغة. (إنهم يدهسون القارئَ "بعربية" متهالكة!) قالها المترجمُ الكبير طلعت الشايب في حوار قديم، أجراه معه الشاعر سمير درويش.
وأقرأُ الآن في مجلة "بروسيل" أن الرئيسَ الفرنسيّ نيكولا ساركوزي وصفَ العربيةَ بأنها "لغة المستقبل، والعلوم، والحداثة"، تزامنًا مع سعي الحكومة الفرنسية لتدريس العربية في جميع مدارسها! أشكرُه طبعًا، ثم أبتسمُ، وأتمنى بالمقابل أن تسعى حكومتُنا لتدريس العربية في مدارسنا أيضًا! حتى لا يتكرر ما حدث بالأمس على القناة الثالثة بالتليفزيون المصري، حينما أطلَّ علينا رئيسُ أحد أحياء القاهرة يصرّح بأن الحيَّ غير مسؤول عن كارثة موت العشرات تحت أنقاض أحد المنازل المنهارة، بل إن قاطني العقار هم المسؤولون؛ "لأن المنزل كان (قايل) للسقوط"!!!

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

يا الله، من رسم الخطوط حول الدول؟ ترجمة:

07-تشرين الأول-2017

«الشاعر» هاني عازر

20-تموز-2014

نوبل السلام لأقباط مصر

28-حزيران-2014

هنركب عجل

18-حزيران-2014

النور يعيد السيدة العجوز

11-حزيران-2014

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow