حديقة الليلك
2009-07-28
تقف أمامي
تمتعض من الإهداء على الكتاب
( لأجل أن تقرأني بحب ..
نجوى)
تسرع إلى المطبخ غاضبة
وتعد إفطاراً سريعا
تحاول أن تقيس الحب
بالحليب المنسكب على الموقد
شغوفة بالبحث عني
في فنجان قهوتها
* * *
تحب الجيران
ودرجات الأولاد العالية
ولا تحب أن تنظر إلي أنثى
تلتقط لفافتي من حافة المطفأة
تأخذ نفساً
وهي تفكر باستغراق
في ترجمة مقالة ادوارد سعيد
وفي الغداء اليوم
* * *
لها القدرة على امتلاك حب الجميع
وعلى استفزازي أحياناً
تنظر بشوق إلى لحظة المصالحة
وبحزن إلى التحفة المهشمة على الأرض
*** ****
تغضب مني أحياناً
وتلعن اليوم الذي جمعنا
لكنها حين تحضر فيلماً بدوني
تحس أن موسيقاه ناقصة .
** ** **
تخاف من الفئران
والصراصير
والقطط
من الغزاة الذين ينتهكون قريتها البعيدة
تخاف من الأوراق في جيبي
ومن النوافذ غير المقضبنة
تخاف
فتغني فيروز
وهي تنظف البيت من الغبار القادم .
** ** **
تلتقط الشعرة الطويلة
من قميصي
يتسرب الحداد إلى أصابعها
وهي تمدها قرب الشعر على مشطها
رغم ولعي بالاختلاف
إلا أنني في تلك اللحظة
أتمنى
أن يصبح للعالم لون واحد
* * *
غني هذا الليل بها
وهي تكابد النعاس قربي
غني هذا النهار بها
وهي تعزف على أوتار البيت
لحن أناقتها
* * * * * *
حين أسرح قربها
تتمنى أن تكون جمجمتي من زجاج
هادئون جداً
غير أن الأسرار الصاخبة
تضج في صمت
ثم يبتلعها النسيان
* * * *
يضج مجفف الشعر في الغرفة
ترتدي معطفها البني الأثير
تلتقط حقيبتها من أمام المرآة
وتمضي
يضج كعبها النحيل في الممر
ويفرقع الباب
يخيم قربي مأتم صغير
فأوقظ فيروز
منتظراً موسيقى الممر
** ** **
ملهمة هذا الليل سروره
تطغى بأنثاها
وتجيب بالنيابة عني
سريرها مرتب
زجاجات العطر الفارغة
تجهش بسيرتها
وأنا أتشمس تحت عنادها
مراقباً بوجل ضجيج أصابعها الرشيقة
* * * * *
تلعن الساعة التي تزوجت فيها شاعراً
وتنتشي بعيداً
عن شقاء المكتبة
بإلقاء قصائدي
على صديقاتها
تحلم ببيت واسع
وحديقة لا يأتيها الغبار
تحلم بسفر حول العالم
لكنها
تهيم
غرورأ
حين تكتشف جسدها في قصائدي
* * * * *
تحب البرتقال الحامض
أحب البرتقال الحلو
تحب النوافذ المقضبنة
أكره القضبان على النوافذ
تحب القهوة المرة
أحبها زيادة
شئ واحد نتفق فيه
تحب الجهة اليمنى من السرير
أحب الجهة اليمنى من السرير
* * * *
لحظة وُلِدَتْ في مخيم البداوي
شمال لبنان
كنتُ في الفصل الأول
في مدرسة لالي
شرق ليبيا
كيف التقينا
وأية دروب ماكرة بها مشينا ؟
للحب بوصلة
تضئ الجهة الخامسة
* * *
عنيدة كأشجار البطوم
مغيارة كطفلة وحيدة
تمر من جذوة الغضب
إلى حفلة الدموع في غرفتها
فألقي بكل أسلحتي
وأقبل جفنيها المبللين
**** ***
في ذروة الخلاف
تحس أنها تفقدني
تبحث عني في ألبوم الصور
في رسائلي المدخرة لديها
تعرف جيداً
أنها حين تخاف
تلتفت إلى الخلف
تعرف أيضاً
أن الصمت حكمة الزمن المهدر
******* **
يتحدث الأولاد معها بلكنة فلسطينية
يتحدثون معي بلكنة ليبية
في المدرسة يكتبون بالفصحى
لذا
أحلامهم في الليل ملونة
* * *
حين كتبت اسمها في بطاقة الدعوة
نما الزهر على حوافها
حين نطق المأذون اسمها
استيقظت في الصالة موسيقى
لا يسمعها سواي
*** ***
القبلة الأولى نذكرها جيداً
طعمها مازال في شفاهنا
مفعمة بالمعنى
نحج إليها كل ليل بارد
القبلة الأولى
توقيع الحب
على ورق الشغف الأبيض
نضيئها برفق
ونلعب بظلالنا على الجدار
*** ***
حين ترى الجنازة في شوارع الضفة
تلمع في عينيها
دموع وشيكة
ثم ..
…
….
أشم في المطبخ رائحة
الأكل الفلسطيني
** ** **
يتحول الحب إلى الزواج
مثلما تتحول القصيدة إلى نشيد وطني
يضيع الكثير من الخيال
لكننا لا نملك كل مرة
إلا أن نقف لجلاله صامتَيْن
** ** **
كيفك حبيبتي
لك شهر غائبة
البيت مقلوب
الستائر ساكتة
ألعاب الأولاد جثث في كل زاوية
السرير أخرس
الأثاث لا يتحرك من مكانه
السجاد إسفلت بارد
الصحون لا تنظْف أبداً
أحن إلى صوتك العالي
إلى قدمك يهزها القلق
إلى رائحة الإفطار توقظني
إلى كراسة التحضير تزاحمني المرقد
أيتها الخالقة
كيف تؤنسنين كل شئ
وكيف يغدو البيت بين أصابعك
حديقة .
** ** **
أحبك
لم أكتبها من زمن
النار التي تخفت توقظها الريح
العطر الذي نألف
يشعله الغياب
**** ***
يجتاح البخور
زوايا البيت العالية
والمكنسة الضاجة
تمتص
ما تراكم على السجاد
من وجع
***
مشابك الغسيل
هادئة على حبال المنور
المكواة الباردة
مفعمة برحيق الشمس
في ثيابها
*** **
تنتهز لحظة البوح
وتسألني:
هل خنتُها
فأسكت
تعيد السؤال في سرها
وتسكت
مصغيةً إلى اللوحة على الجدار
** ** **
كثيراً ما تكتشف كذبي
يمتقع لون عينيها
لكنها
كماتقول :
الشاعر فيّ
يليق بمغفرتها
* * * * *
عدت من القاهرة
كان الطلاء الليلكي
متفشياً على الجدران
بقع منه على ملابس نومها
منذ سنوات بعيدة
سألتني عن المغني الأثير
فيروز
عن الكتاب الذي أحب
رواية زوربا
عن لوني المفضل
الليلكي
**** ** **
بقايا الطلاء على ملابسها
سرد حميم للذاكرة
مشت عميقاً في اللون
وقايضت حزنها الطري
بخطى الليلك في سفح الجدار
جدار البيت الإيطالي القديم
المطل على شارع لا يهدأ
القريب من البحر
ومن مدارس الأولاد
جدرانه السميكة من الطوب الكلسي
تلفه كعش صغير حول زغب العائلة
وهي ترقب بفزع أرخبيل الرطوبة
ينهض من جديد
في حديقة الليلك
سالم العوكلي
شاعر من ليبيا
08-أيار-2021
15-شباط-2011 | |
25-تشرين الأول-2010 | |
23-تشرين الأول-2010 | |
05-كانون الأول-2009 | |
01-كانون الأول-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |