محمود درويش وفتنة الكلام
2009-08-09
لا أدري لماذا تحطّ عيناي دائما على عنوان ديوان الشاعر الراحل محمود درويش " كزهر اللوز أو أبعد" وتسبحان بعدها في فضاء لا نهائيّ من التساؤل حول سرّ هذا الشاعر الذي استطاع أن يدرس خطواته بشكل مدهش ليدخل حقا في صورة لا نهائية من فتنة الكلام ..كل مفردة عند محمود درويش مدروسة أو قل آتية من مشاعره الفياضة لتصبّ في مكانها المحدد دون زيادة أو نقصان .. الشاعر في هذه الحالة مشبع بل مليء بذهب الإبداع وعصير كرمته حتى لتراه مرتويا في كل كلمة،قابضا على جمرة التوهج الجميل بل الرائع في كل جملة ..
طبعا لا يأتي ديوان " كزهر اللوز أو أبعد " مفردا في الحكم ، فأنا أقصد عموم شعر درويش وصفحته الإبداعية كلها ، ولكن لقرب الديوان مني متناولا وقراءة أراني في كثير من الأحيان أعود إليه منقبا مفتشا عن معاني السر والسحر معا .. ومن قرأ هذا الديوان لا بدّ أن يلحظ أنّ محمود درويش قد صفى الكلام أو دوزنه على قياس خاص يدخل في اليوميّ ولا يترك الوطنيّ، ويدخل في الوطنيّ دون أن يغادر اليوميّ ، فكان هذا المشترك في التعبير عنوان يوميات الإنسان الفلسطيني بكل حالاته .. فهناك "أنا" الشاعر ، وهناك "هو" المتصلة بالشاعر ، وهناك تداخل بين الاثنين بصورة حاول الشاعر محمود درويش أن يجعلها فريدة قدر المستطاع بعيدا عن أي ّ ضجيج أو استغراق في الصور البلاغية لذلك كانت إشارته في مطلع الديوان من كلام التوحيدي :" أحسن الكلام ما قامت صورته بين نظم كأنه نثر، ونثر كأنه نظم ".. معبرة خير تعبير عما أراده من عزفه المنفرد ربما في هذا الديوان ، وهو عزف جماليّ فيه الكثير من ملامح محمود درويش ، مع محاولة قصّ الزوائد التي تحملها بنية الصورة البلاغية أحيانا فتذهب بالشاعر بعيدا عما كان يريد أن يقول لتكون الصورة هي المسيطرة .. هنا لا يريد محمود درويش شيئا من كلّ هذا فهو يفرد الكلام الذي يقارب أو يداخل الذات في تعدد حالاتها بانيا ما هو خاص في صورته بعيدا عن أيّ شرك قد تنصبه البلاغة أو الصورة البلاغية للشاعر ..
يقول في قصيدة " كما لو فرحت " معبرا عن حالة عادية جدا لكن بلغة الشاعر المصفاة :" كما لو فرحتُ : رجعتُ ضغطت على / جرس الباب أكثر من مرة وانتظرتُ / لعلـّي تأخرتُ لا أحدٌ يفتحُ الباب لا /نأمةٌ في الممرّ / تذكرتُ أنّ مفاتيح بيتي معي فاعتذرتُ / لنفسي : نسيتكَ فادخلْ / دخلنا أنا الضيف في منزلي والمضيف / نظرتُ إلى كلّ محتويات الفراغ ، فم أرَ / لي أثرا ربما ...ربما لم أكن هاهنا .لم / أجد شبها في المرايا ففكرت أين / أنا ،وصرختُ لأوقظ نفسي من الهذيان / فلم أستطع ..وانكسرتُ كصوت ٍ تدحرج / فوق البلاط وقلتُ : لماذا رجعتُ إذا ؟؟.. / واعتذرتُ لنفسي : نسيتك فاخرج / فلم أستطع .ومشيتُ إلى غرفة النوم / فاندفع الحلم نحوي وعانقني سائلا : / هل تغيرت ؟؟. قلت تغيرتُ فالموتُ/ في البيت أفضل من دهس سيارة / في الطريق إلى ساحة خالية.."..
السطر المدور ، الاقتصاد في المفردات ، الحكاية ، الهاجس ، اللعب على وتر الغياب والحضور، دوران الذهن في معنى الحياة ومعنى الوجود ، الشعور بالوحدة الضاغطة .. والكثير غير ذلك في مفردات قليلة مليئة بنبض الشعر وعلوه ووصول الشاعر إلى صفاء الرؤيا وفلسفته للحياة والوجود .. كل ذلك ، وما نجده في شعر درويش ، يبقيه شاعر فتنة الكلام بامتياز ..
بسام ابوغزالة
2021-02-16
شكرا لمعانيك الراقية العميقة في التحليل .... ولكن هذا يزيدنا حيرة فحبذا لو انك تشرح لنا مفردات ذات القصيدة وهي كما لو فرحت وايضا كزهر اللوز او ابعد .. دمتم
08-أيار-2021
06-أيلول-2009 | |
09-آب-2009 | |
29-تموز-2009 | |
27-تموز-2008 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |