الكتابة الخلبية
2009-08-10
يقترح عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو على المثقفين عدم الوقوع بغواية التلفزيون والسبب في ذلك يعود لكون التلفزيون يقوم على مبدأ المنافسة والمنافسة جوهرها السرعة للحصول على أكبر عددا من المشاهدين وعليه :أمام تكاثر الأحداث يكاد يضيع الجوهري ويتسطح الحدث كالصورة المعروضة ؟!.
وما قدم ليس إلا مدخلا لوصف حالة بدأت تصبغ الصحافة الثقافية اليومية التي صارت تلهث وراء ما اصطلح على تسميته بالعرض الصحفي الذي يقارب النشاط الثقافي مقاربة أولية, إذ امتدت هذه الحالة تقريبا إلى جميع ما يكتب في هذه الصفحة , فقاعدة " من قريبو بيمشي الحال" أصبحت المظلة التي تقي من مقاربة أية تابوهات أدبية ,إن لم نقل غير ذلك.
ولنسأل هنا: منذ متى لم نقرأ على هذه الصفحات جدالا فكريا بين كاتبين أو أكثر من كتابها؟,وإن حصل ,فلا تتعدى القصة مقالتين ويتم بعدها " تبويس الشوارب للرجال" والخدود للنساء" وإن كانا من جنسين مختلفين يكتفيان بالتصافح ......؟!.
وكأن الموضوع هو خصام بين شخصين لا دخل للقراء فيه وليس جدالا بين فكرتين من حق القارئ أن يراهما تنموان وتنضجان من مقال للمقال .
نفهم طبيعة التلفزيون ؛ولكن هل نفهم ما آلت إليه الصفحات الثقافية؟! , فهي من طبيعتها التأني والتأمل ومعالجة الأمور بروية ولا تطارد حدثا سيحل مكانه آخر, فموقفها هو التعقيب والمتابعة والتحليل والاستنتاج ؛ لرصد الحدث الثقافي الإبداعي من جوانبه كاملة .
وهذا الرصد الدائري يجعل القارئ المتابع موجودا في دائرة أفق التوقع , فهو لا يقرأ المقال وفقط بل يشتغل عليه والاشتغال متولد من اتخاذه لجانب معين للفكرة أو رأي كاتب أقنعه ,فهو سوف يصطف في أحد جوانب الجدلية المتصاعدة من حوار وصراع الفكرتين ومن ثم يستوي الأمر عندما تنضج الفكرة التي أثارت الجدال وتصبح من ضمن ثقافته .
ونسأل قبل التبرير الذي سوف يقدمه الكُتاب على ما آلت له مقالاتهم : متى كان الكاتب لا يستطيع تمرير أفكاره ومخاتلة الرقيب والتابوهات وردة الفعل الاجتماعية على تحطيم بعض مثالياتها الزائفة ؟ وإن لم يكن له القدرة ألا يعتبر ذلك نقصا في إبداعه فلا يحتج فيما يعتبره نوعا من الفرق بين المقالة والكتاب على صعيد ملامسة ما يثير القارئ ويدعوه للقراءة والمتابعة , فالمقال هو بوصلة القارئ للكتاب المهم والرصاصة التي سوف تشعل جبهة الحوار والجدال , فالمقال الخلبي الذي يغزو صفحات الثقافة اليومية جعل القارئ يلفظها , فهي لا تقدم له شيئا فاستعاض عنها بالتلفزيون والنت حيث الحدث الثقافي يجد أرضا خصبة للنمو, وكل هذا همش الصفة الذي كان الكاتب يسعى لها ألا وهي المثقف العضوي كما يقول غرامشي وحلت محلها صفة المثقف الهامشي التي لا تشبهه لا من قريب ولابعيد مقولة " الفن للفن" التي استطاعت رغم نرجسيتها أن تبني صروحا أبداعية .
المقال اليوم يشبه البناء العشوائي الكل يأمل بإيقافه والابتعاد عنه وتنظيمه لكنه يمعن في امتداده ونسج أنشوطة حول رقبة المدينة كي يشنقها .
متى ننقذ صفحاتنا الثقافية اليومية من عشوائيتها ونحولها لبناء منظم يطيب لساكنيه وزواره العيش فيه؟.
باسم سليمان
النشر الورقي البعث
النشر الألكتروني خاص ألف
08-أيار-2021
29-كانون الأول-2018 | |
02-حزيران-2018 | |
17-آذار-2018 | |
23-كانون الأول-2014 | |
04-آذار-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |