قصبته منحنية , في حين سيجارته منتصبة بين شفتيه وترسل خيطها في الريح تصطاد سمك الانتظار.
تفقد جيب قميصه بعد هنيهة , ليحشر سيجارة جديدة في فمه, وإذ بالعلبة قد فرغت مثل سلته الخالية من السمك, مسك العلبة الفارغة بين إبهامه وسبابته وحدق بها وكأنه يلومها لأنها لن تقدم له سيجارة واحدة زيادة على سيجاراتها العشرين, رغم هذه الصحبة الطويلة بعمر شواربه البيضاء المصفرة, رمى بها إلى موج كسرير تنام فيه الريح.
تلقف الموج العلبة وألقاها على الصخور المرجانية تحت الماء , ربما مئة سنة قادمة وتظهر كجزيرة على سطح الماء ويصبح لها شاطئ تتكسر عليه الأمواج أو لن يحدث هذا وتغرق أكثر مادامت حرارة الأرض ترتفع ؟!.
السرطان الذي نجا من مفترسيه وشباك الصيادين والذي أطلق منيّه كثيرا ليلقح آلاف البويضات التي عندما تفقس, لن يأسف لعدم سؤالهن عن أبوته ,فقد فعل ذلك هو ولم يسأل؟! , فالبحر هو الأب والأم .
السرطان الذي ملّ من التقاط العوالق وتبديل الصدف , نظر إلى علبة الدخان ورأى فيها مسكنا غريبا يعوضه رتابة مساكنه السابقة فاقترب منها, مسكها بإحدى كلابتيه , وتأملها , وقرأ : التدخين سبب رئيسي للسرطان و... !!!
لعبت الكلمات في رأسه وتفجرت فقاقيع تساؤل , كيف هذا ؟!, ومن قال :إن التدخين هو خالق السرطان؟! إنه تجديف بحق زرقة العمق واسمها السري السواد , فلا غيرها خالق ,عَمقتْ وتثاقلتْ- همزته نفسه أن يمزق علبة الدخان الهشة- اللعنة عليك ولتبتلعك أسماك القرش ؛ لكنه تمهل متمتما :سبب رئيسي وهل هناك آلهة أخرى ؟ لابد للكتابة من تكملة, فتابع القراءة : وأمراض القلب والشرايين ويضر بالحامل والجنين؛
ربط الكلمات ببعضها , مستنتجا المعنى : إذاً السرطان مرض !!.
زفر غضبه فلا تجديف على آلهة العمق ولكن هناك مذمة له ولجنسه وهذا تزوير في قانون الطبيعة وأخلاقياته, فالاسم لا يدل على المسمى ولا يقارن هذا بالصيد, فالصيد لا مانع عليه وإن كان طريدة لكثير من حيوانات البحر فهذا قانون البحر الذي لا يعترض عليه, فلحكمة ما وضعته آلهة العمق ,لكن هذه المذمة غير مقبولة بحقنا كسرطانات .
حرك أفكاره كثيرا كأنها موج في يوم عاصف وقرر لابد من إطلاع مجلس كبار السرطانات على ذلك ولا بد من دعوة الأشقاء وأولاد العمومة والخؤولة من قريدس وجنبري ووو....
وعندما عدّهم ووجد أنهم قوة حقيقية في عالم البحار مؤثرة وتقلب التوازن البحري مهددة كل المخلوقات , لذلك مشى عرضيا إلى مجلس السرطانات,وأمام المجلس الموقر تكلم السرطان : أيها السادة الموقرة كلاباتكم ومشيتكم بالعرض ,أرفع لكم خضوعي البالغ لسيادتكم لتتقبلوه وتأذنوا لي بعرض ما دفعني للمثول في حضرتكم العرضية .
رد عليه المجلس بصوت واحد : تكلم أيها السرطان.
وهنا بدأ السرطان يقص لهم ما حدث معه وما فكر به وما استنتجه
أيها المجلس الموقر ليس في كلامي خروج عن قانون البحر العظيم العمق ولكن هذه إهانة لنا ,فنحن قوة فعلية ودرجة مهمة في التوازن البحري فلا يجوز أبدا تشويه سمعتنا وربطنا بمرض يصيب البشر هؤلاء غير المبالين أبدا بالقوانين الطبيعية لن يحركوا ساكنا إن لم نجبرهم على ذلك حتى أنهم لم ينتبهوا لإهانتنا فهم قد اعتادوا على استغلال الآخرين , لذلك أرى ولا رؤية لي بلا إرشادكم هو أن نجتمع نحن أجناس السرطانات وأبناء العمومة والخؤولة ونذهب بتجمع ضخم ونبدي مطالبنا وإن لم تنفذ , نبدأ باتخاذ الإجراءات التي يجب أن نعلمهم بها لكي يكونون على يقين من المخاطر التي سوف يسببونها لأنفسهم وخاصة وأنتم تعلمون إذا توقفت السرطانات ليوم واحد عن تناول الطعام فقط , كيف سيتعكر الماء وما يترتب عليه من قلة الأوكسجين والإضرار بالمخلوقات البحرية الأخرى التي إنْ أصابها خطر سيؤدي ذلك إلى انفراط سلسلة التوازن البحري وبالتالي فساد البحر وخلوه من المخلوقات وهذا سوف يرعب الإنسان الكثير الصيد والاستغلال وخاصة إن البحار تغطي ثلاثة أرباع العالم مما يؤدي إلى فنائه بفساده وطبعا لا بد من الاستجابة لأن مصلحته في ما نهدده به والإنسان لن يقبل بهذه الخسارة مقابل كلمة لا تعني له كثيرا, فليس المطلوب ذا أهمية لديهم مجرد كلمة فليستبدلوها في قواميسهم فقط ,نحن لا يهمنا ما ينطقون به لكوننا لا نسمعهم وهنا أختم كلامي شاكرا لكم استماعكم العظيم لي أنا السرطان البسيط الصغير أمام هيبتكم العميقة الكثيرة التثاقل.
رفع المجلس الجلسة للتشاور وبعد ألفين وتسع موجات بحريات خرج المجلس وقرر مايلي : يعمم قرار المجلس بالسرعة الموجية ويلزم بتنفيذه كل من السرطانات وأبناء عمومتهم وأخوالهم والتجمع في حشد عظيم كأنه البحر إلى شواطئ اليابسة لتسليم احتجاجنا للبشر ومطالبنا وتهديداتنا ويكون التجمع يوم الخامس من المد .
وهكذا بدأت تتوافد السرطانات وأبناء عمومتهم وأخوالهم حتى أعطوا للبحر لونا آخر غير الزرقة وأنهم حجبوا العمق لكثرتهم وأخذوا السباحة نحو الشط.
***** ******* *******
السونار يكشف عن أعداد ضخمة من السرطانات قال المساعد للقبطان الذي عمم بدوره الخبر للسفن الأخرى التي بدأت بالتوافد وفي محيط دائرة عظيمة, نشروا أكبر الشباك وانتظروا وهم يحلمون بثروة خرافية سيقدمها لهم هذا الاحتجاج العظيم

باسم سليمان
[email protected]