طيورُ الجنة تنقرُ طفولتنا
2009-11-02
انزعجت أمٌّ مصريةٌ جميلة من أسيوط، لأنها أحسَّت أن جزءًا من طفولتها قد سُرِق. كانت السيدةُ "شيماء زكي" وصغيرُها "كريم"، الذي بعدُ لم يكمل سنواتِه الثلاث، يشاهدان قناةً فضائية عربية اسمها "طيور الجنّة". انتبهتْ حواسُّها كلُّها بغتةً على أغنيةٍ تقول كلماتها: "اسلمي يا قدسُ إنني الفدا/ ذي يدي إن مدَّت الدنيا يدا/.../ لكَ يا قدسُ السلامُ/ وسلامًا يا بلادي.." تذكَّرت السيدةُ شيماء أن هذه الأغنيةَ مِلكٌ لها، مثلما هي مُلكٌ لكلِّ مصريّ. كانت تغنيّها "لمصر" في طفولتها في طابور الصباح، مثلما غنّاها كلُّ أبناء جيلي. لا أدري عن الجيل الحالي، الذي أتمنى ألا يَصْدُقَ عنهم ما سمعته، من كونهم حُرِموا غناءَ نشيدٍ وطنيّ، مثلما حُرموا تحيةَ عَلم مصرَ، بل ربما حُرِموا طابورَ الصباح ذاتَه!!
أرسلتْ لي رسالتها لتسألني: هل هي محقَّةٌ في انزعاجها؟ كون الأغنية من التراث المصريّ الذي لا تجوز قرصنتُه وتحريفُ كلماته، حتى وإن كانت الكلمة المحذوفة: "مصرُ" قد استبدل بها كلمةُ شريفة وغالية هي: "القدس"! قالت: "الأغنية دي أعتقد فعلاً أننى أسمعها منذ صغرى وفى أفلام الحروب والثورةالأبيض والأسود تغنى باسم مصر، وخطرتى فى بالى في هذه اللحظة لأنى اتضايقت. أحسست إنه الأغنية دى بتاعتنا ومينفعش تتحور وتتغير بالشكل ده، وبمرورالزمن هتكون هى الأصل واحنا اللى اقتبسناها منهم. الموقف رغم بساطته إلاأنه متعلق بالتراث والحقوق والملكية الفكرية والتاريخ. لأن اللى بيتنازل عن حقه في حاجة صغيرة ممكن يتنازل عنه فى حاجة كبير. والا إيه؟"
وأقول لها إنها مُحِقّةٌ في انزعاجها. وإن الأمرَ أخطرُ من قرصنةِ أغنيةٍ من شعب؛ ونسبها إلى شعب آخر، مهما كان هذا الشعبُ غاليًا على قلب كلِّ مصريّ. وأخطرُ من قضية حفظ حقوق فكرية لشاعر ولبلد. الأمرُ متعلقٌ بسرقة قطعة من تاريخنا وذاكرتنا! والذاكرةُ إن سُرقت صار الإنسانُ جمادًا لا روحَ فيه. حتى الجمادُ يملكُ ذاكرتَه الخاصة. فيذكرُ المقعدُ مَن حمل، والكتابُ مَن قرأه، والخزانةُ أيَّ ثيابٍ حَوَت، تمامًا مثلما يذكرُ الوطنُ كلَّ مواطنيه الذين أنبتهم ترابُه، المخلصين منهم، والخائنين!
هذه الأغنيةُ الفاتنة كانت نشيدَ مصرَ الوطنيّ ما بين عامي 1923- 1936. كتبها الشاعرُ الجميل مصطفى صادق الرافعي، ولّحن موسيقاها العذبةَ الموسيقارُ "صَفَر علي"، وهي الآن النشيدُ الذي يغنيه طلبُ كليّة الشرطة المصرية.
أعلمُ أن لا أجهزةَ بمصرَ سوف تتحرك لدرء هذه القرصنة، وأعلمُ أن لا مسئولَ سوف يغضبُ أو يتحرّك، وأعلمُ أن غضبَ السيدة شيماء وغضبي لن ينتهي، مثلما أعلمُ أنني لستُ بحاجة لتذكير أيَّ مصريٍّ بتلك الأغنية، فالكلُّ يحفظها عن ظهر قلب، اللهم إلا الأجيال الناشئة الصغيرة، التي تعملُ كلُّ معاول الهدم من حولنا على تفريغ ذاكرتها، وتفتيت ارتباطها بمصر الجميلة، لكنني رغم كلّ ذلك، وبسبب كلّ ذلك، سأنقلُ لكم كلماتِ نشيدنا القوميّ، الذي محفورٌ عميقًا على سطوح أرواحنا.
"اسلمي يا مصرُ إنني الفدا/ ذي يدي إن مدَّتِ الدنيا يدا/ أبدًا لن تستكيني أبدا/ إنني أرجو مع اليوم غدا/ ومعي قلبي وعزمي للجهاد/ ولقلبي أنتِ بعدَ الدين دين/ لكِ يا مصرُ السلامة/ وسلامًا يا بلادي/ إن رمى الدهرُ سهامَه/ أتّقيها بفؤادي/ واسلمي في كلِّ حين/ أنا مصريٌّ بناني من بنى/ هرمَ الدهرِ الذي أعيا الفَنا/ وقفةُ الأهرام فيما بيننا/ لصروف الدهر وقفتي أنا/ في دفاعي وجهادي للبلاد/ لا أميلُ لا أمَلُّ لا ألين/ لكِ يا مصرُ السلامة/ وسلامًا يا بلادي/ إن رمى الدهرُ سهامَه/ أتقيها بفؤادي/ واسلمي في كلِّ حين./ ويكَ يا من رامَ تقييدَ الفلَك/ أيُّ نَجم في السما يخضعُ لكْ/ وطنُ الحرِّ سمًا لا تُمتلك/ والفتى الحرُّ بأفقه مَلك/ لا عدا يا أرضَ مصرٍ بكِ عاد/ إننا دون حماكِ أجمعين/ لكِ يا مصرُ السلامة/ وسلامًا يا بلادي/ إن رمى الدهرُ سهامه/ أتقيها بفؤادي/ واسلمي في كل حين./ للعُلا أبناءَ مصرٍ للعُلا/ وبمصرٍ شرِّفوا المستقبلَ/ وفِدًا لمصرنا الدنيا فلا/ نضعُ الأوطانَ إلا أولا/ جانبي الأيسرُ قلبُه الفؤاد/ وبلادي هي لي قلبي اليمين/ لكِ يا مصرُ السلامة/ وسلاما يا بلادي/ إن رمى الدهرُ سهامَه/ أتقيها بفؤادي/ واسلمي في كلِّ حين."
عن المصري اليوم
08-أيار-2021
07-تشرين الأول-2017 | |
20-تموز-2014 | |
28-حزيران-2014 | |
18-حزيران-2014 | |
11-حزيران-2014 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |