سلطانات الرمل .. سؤال الكائن
خاص ألف
2009-11-24
قرأت الجزء الأول من رواية سلطانات الرمل ، إنه يمثل إلى حد كبير ما يشبه الوعد الروائي أو نذر الكتابة التي تسعى إلى دوزنة آلاتها الموسيقية منذ البداية ، عبر أسئلة غير ظاهرة وإن كانت شاخصة فينا بعين مواربة .. هذا المدخل السيميوطيقي لأفق النص ينبئ بروح بحث روائية فيما وراء العلامات التي تشكلت في بيئة تحاول ترويض المشاهد المكررة لشغف الإنسان بالنبوءة ، وباستدراج ذاكرة المستقبل إلى حدسه المرفود بحركة الأشياء والكائنات ، يبدو للوهلة الأولى أن لينا تفتح صندوق البدو السحري للإطلاع على تلك الأسرار العميقة المخزنة في قلق البدوي الذي لا يفتأ يتظاهر بالسكينة، واستنباط خططه الروحية في ذروة تظاهر بالارتجالية ، ومن جانب آخر نبش فكرته الغامضة عن المبادرة رغم الانتظار الذي يسم طبيعة حياته ، لا أريد أن أمارس شعوذتي الشعرية للتنبوء بمآل السرد ، لكن من الواضح أن لينا تحدد مداخلها بعناية ، وتتجاوز نفسها في كل عمل جديد . المقولة في أول الرواية تحيل إلى فكرة ذلك الصدام التاريخي بين الفطرة والتخطيط ، بين شعرية المكان وبين حمى توظيفه ، بين الحنين والذريعة . في الجريمة والعقاب تمضي الرواية بنفسها التطهيري للبحث عن ذريعة للجريمة .. يقتل الشاب المرأة العجوز لأنه يريد أن يمضي ويحتاج إلى نقود هي لم تعد تحتاجها ، وكانت محاولته لتخطئ الإثم عبر المداومة اليائسة على تبرير سلوكه بجدوى التضحية ، وأيضا لأن البدو يقفون عقبة أمام توظيف المكان تأتي هذه العبارة التي تضحي بهم من أجل المستقبل من أجل أن يمضي الإنسان إلى فكرة غمضة عن التقدم .
هذا الصراع بين الحنين والذريعة ، أو علاقة الإنسان البيولوجية بالمكان وعلاقته العقلانية به ، كان قد شكل جوهر الصراع بين الهندي الأحمر الذي يرى في الأرض هويته والآلة التي ترى في الأرض وقودها ، لكن الجريمة وقعت دون أن يقع العقاب كما اقترحه دوستويفسكي المؤمن بعودة روح العدالة إلى حيث يجب ، أما كافكا فإنه يذهب في روايتيه القصر ـ والمحاكمة إلى كابوس آخر يتعلق بوقوع العقاب قبل الجريمة ، يعاقب الإنسان وفي ظل هذا العقاب سينبش ذاكرته بحثاً عن الجريمة التي أدت إلى هذا العقاب، وهذا هو كابوسنا الراهن.
أحببت في العمل جمله الرشيقة والقدرة على تطويع الجملة السردية بشكل يبث في نثرها موسيقى أكاد أن أسمعها بعيوني ، شخصيات الرواية توحي بتلك الأرواح المتدلية من غسق الأسطورة حين تكون فعلا في الحياة اليومية ، تلك الأرواح الهائمة الباحثة عن خلاصها في تأويل الواقعة ، وقراءة ما ينبض خلف حركة الكائنات الأليفة ، وما بين التطيّر و إشارات التفاؤل كان الإنسان البدائي يبحث عن سؤاله الوجودي ، ذلك الإنسان الذي تقول عنه الكاتبة: "أن لعبته الأثيرة هي القدر . " لكن شغفه بالنبوءة يحمل مكبوتاً أصيلا عن رغبته في توجيه القدر ، أو على الأقل الحدس به وتوقعه ليكف عن أن يكون قدراً مفاجئا ، وهذا التربص بالمفاجأة هو ما يمنح البدوي ظاهره المستسلم للانتظار .. انتظار المطر وانتظار الشمس وانتظار الموت وانتظار القافلة وانتظار الفريسة، وكل هذه المكونات الروحية تهبه حساً وثنيا حميماً تجعل من دعائه نثرا أفقيا ، ومن حدسه بوصلة . آسف لا أريد أن أثرثر عن كتاب يستحق أكثر من انطباعات وكانت قراءتي متقطعة وعن طريق شاشة مزعجة ( رغم أني موعود بنسخة منه لم تصل ) لكن بدويتي ربما هي التي تجعلني أرى تلك الإشارات المبثوثة في استهلاله . كانت أمي حين تعلق جمرة بالإبريق تتنبأ بقدوم ضيف ، وكنا إذا جاء ضيف وهو عادة ما يأتي نزداد إيماناً بنبوءتها وإذا لم يأت نكون قد نسينا شعوذتها الحميمة . وكانت عندما تنحل عقدة رداءها تبشرنا بقرب قدوم إنسان عزيز عليها، ربما يكون عشيقاً قديما . تلك النبوءات الصغيرة كنا نروض بها ضغط الانتظار وغموض المستقبل، ومازلت إلى الآن أمارسها رغم اعتقاد عقلاني بتجاوزها ، لكن مكانها العصي في الروح لم تداهمه بعد أحذية العقل ونرجسية العلم التي رأت البدو مجرد عقبة أمام التنمية ، مثل الألغام المزروعة في أرض خصبة .. إنها حمى التجريد التي طالما أفضت إلى نسيان الكائن ، وما جدوى الكتابة إذا لم تعيد الكائن إلى صميم الروح الإنسانية الحديثة .
أشكر آلهة البدو المنسيين على وحيها الذي يلهم الأرض من جديد أسرار السماء الغامضة
سالم العوكلي
08-أيار-2021
15-شباط-2011 | |
25-تشرين الأول-2010 | |
23-تشرين الأول-2010 | |
05-كانون الأول-2009 | |
01-كانون الأول-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |