الرواية عندما تصنع تاريخ اللحظة

في روايته" يوم رائع للموت" قدم سمير قسيمي سردا شبكيا اصطاد به سمك الواقع والمتخيل بلغة شفافة تكاد الكلمة تشف عن أختها والجملة تتمرأى بها الجملة الثانية , فأتت عمارته الروائية كجبال الجزائر بغناها الطبيعي والإنساني .

وبمناسبة دخول روايته القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية كان لنا معه الحوار التالي:

1- يقول كونديرا : مجنون من يكتب رواية وإذا كان لا بد من كتابتها ، فليكتبها بطريقة لا تروى بها ولا تقلد . سمير قسيمي عندما كتب روايته " يوم رائع للموت " التي رشحت لجائزة البوكر بنسختها العربية .ماذا كان يجول في رأسه؟.

* لم يكن ثمة غير "يوم رائع للموت"، فالكتابة عندي حالة من الأنانية المفرطة، تستلزم لحظتها ألا أفكر في سواها، لذلك فإنك لا تشعر بين دفتي الرواية بوجودي، وكأنني أندمج مع شخوص روايتي واحدا واحدا، حتى يحدث ما يشبه "الحلول" بالمفهوم الصوفي، في رغبة ملحة أن أكتب رواية "لا تتشبه"، وهي أكثر الرغبات إلحاحا لدى أي روائي يريد التميز لكتاباته، وهي رغبة كثيرا ما لا تتحقق فيعمد الكاتب إلى وضع سواها وهكذا يجد نفسه في نهاية عمره أمام مجموعة من المخلوقات الورقية، جميعها قابل للتشبيه والتقليد، ولكنها في المجموع تشكل مخلوقا واحدا "لا يتشبه". ربما لهذا أجد من غير الإنصاف أن أوصف بـ"الروائي" لأنها صفة قدسية لا يستحقها إلا من أنهى عمره في الرواية، وأفضّل أن أوصف بأي وصف غير ذلك.

2 – في ردك على الاتهامات التي طالت الرواية من أنها تقدم الفكر الوجودي وأنها تشجع على الشذوذ وكذلك ما نالك منها أيضا، قلت : لا أملك إلا أن أحكي . برأيك حكواتي/ روائي اليوم ما هو المطلوب منه؟.

* لا أحب أن أرد على أي اتهام، ما دمت في قرار نفسي لا أشعر بالذنب نحو أي شيء، ومع ذلك أتفهم الذين رموني بـ"الوجودية" وقالوا أنني في "يوم رائع للموت" تعاطفت مع الشواذ جنسيا، وقد قرأت كما قرأ غيري الموضوع الذي تحيل إليه. غير أن الذي أحب أن أوضحه، أنني أكتب بواقعية تضطرني أن أصور الواقع مجردا من أية جمالية سردية، ما يجعل كذا تصوير "مبتذلا" بلغة الأخلاقيين المثاليين، ولكن هل أكون مذنبا إذا ملك بطلي أفكارا وجودية، أو كانت شخصياتي تعيش حالة من "اللاهوية الجنسية"؟ لا أظن، ما دام الواقع يجمع كل هؤلاء وأكثر منهم. ثم هل إذا أوضحت نمط تفكير هكذا نوع من البشر، يعني أنني أومن بنمط تفكيرهم؟ أعتقد أنه من الضروري أن يفرق القارئ بين الروائي والراوي، بين الرواية وحياة الروائي الحقيقية، فعندها فقط نجدنا نعيش حالة مصالحة أدبية تمكننا من المضي قدما نحو أدب غارق في الجمالية والسحر.

3 – حليم بن صادق وعمار الطونبا توأمة سيامية روائية في " يوم رائع للموت" يلعب كل منهما تارة دور الصوت وتارة صوت الصدى ولكن في اللحظة الأخيرة من الحركة الروائية تضحي بحليم بن صادق جسدا وروحا في حين تقتل من عمار الطونبا الذاكرة فقط ، لماذا؟.

* ببساطة لأن حليم بن صادق، رغم ثقافته ونبل أخلاقه لم يحسن معاملة الحياة التي أوجدته، واستسلم لواقع لم يفرضه عليه أحد، ما دمنا نحن من يصنع الواقع بما له أو عليه، لينتحر انتحارا يحسب أنه به سيتحدى القضاء والقدر وهو لا يعلم أنه بانتحاره لم يترجم إلا استسلامه فحسب، بينما عمار الطونبا نقيضه في الثقافة والأخلاق، عندما وجد نفسه محاصرا بواقع صنعه هو أيضا، لم يستسلم واختار أن يبدأ من جديد في شخصية حكيم الكردوني، وهو خيار يظهر أحقيته في فرصة أخرى، لم تعط له بل أخذها بقوة. إلا أن "حليم بن صادق" و"عمار الطونبا" لم يكونا التوأمة السيامية الروائية الوحيدة في "يوم رائع للموت"، بل ثمة أخرى تتمثل في "نبيلة ميحانك" و"نيسة بوتوس" وهما أيضا شخصيتان تستحقان أكثر من وقفة.

4- سمير قسيمي الصاعد نجمه بشدة في سماء الأدب الجزائري إن صح التعبير ومع وجود قامات روائية كبيرة في الجزائر صبغت المشهد الروائي الجزائري ببصماتها. سمير مع من يقطع ومع من يقيم نسبه الروائي؟.

* أنا ممن لا يؤمن بنظرية "قتل الأب"، ولكنني أرفض في ذات الوقت "نظرية الوصاية"، فاللاحق والسابق حالات جيلية اقتضتها بديهية أن الوقت لا يتوقف، أي أن "الآن" مفصلية لا بد منها لتحديد الانتماء الجيلي، الذي هو في الأدب غير مقترن بالزمن بقدر ما هو مقترن بالنتاج الإبداعي وتميز هذا النتاج بين ما نعتبره جيلا أدبيا بعينه، ولئن كنت أومن أن من آبائي "عبد الحميد بن هدوقة" و"الطاهر وطار" و"حنا مينة" و"غارسيا مركيز" و"محمد ديب" و"أسيا جبار" و"أحلام مستغانمي" و"نجيب محفوظ" و"بهاء طاهر" و"غنتر غراس" و"أومبرتو إيكو" و"المسعدي" و"الطاهر بن جلون" وغيرهم، إلا أنني لا أقول بأبوة أحدهم لي، ببساطة أن الأب الذي طالما عرفته هو الواقع الذي أعيشه ولم يعرفوه.

5- حنا مينة يرى أن ديكتاتورية الراوي تقتل الشخصية الروائية ، كذلك محفوظ الذي قال: أستمد شخصياتي من الواقع, لكن عندما أكتب أذهب خلف هذا الواقع. سمير قسيمي ما هي مساحة الحرية المعطاة لشخصياتك وكم ذهب بعيدا في كواليس الواقع؟.

* الشخصيات بين دفتي الرواية مخلوقات فوضوية غير قابلة لأي "دمقرطة"، لذلك لا أحب أن أمنحها أية حرية خارجة عن طبعها المعروفة به في الواقع، ولكنني أحب أن أتلاعب بها بأن أعطيها بين الحين والآخر وهم الخيار، لأرى ما ستفعل وأنا أعرف مآلها منذ البداية.

6- بعد "يوم رائع للموت" ما الذي سيتغير فيك كروائي وما تأثيرها على مشاريعك القادمة؟.

* تلك رواية وانتهت، حياة توقفت أو هي خلق أبيد، لا أحب أن يمتد سطوها إلى غيرها من كتاباتي، ولا أعتقد أنها ستؤثر فيّ هي أو غيرها وإن حازت أكبر الجوائز، لأن لا غاية لي إلا أن أحكي، وإن لم أصبح روائيا ذات يوم، فأملي أن يذكرني الناس أنني أحسن الحكي، فأنا الآن بصدد كتابة رواية ثالثة، أحاول جاهدا أن أتجاوز فيها سمير قسيمي الذي كتب "يوم رائع للموت"، فالكتابة حياة، والحياة لا تتوقف.

7- كيف لا تحب أن يعرفك الناس؟.

* اسما أضيف إلى قائمة، أو صفرا على اليمين.

بطاقة سريعة:

من مواليد 1974بالعاصمة الجزائرية، ترعرع ودرس بالجزائر العاصمة.

حاصل على عدة شهادات جامعية منها دبلوم دراسات عليا رياضيات، ليسانس حقوق والكفاءة المهنية للمحاماة.

عمل في مجال الصحافة ابتداء من عام 1993 بمختلف العناوين الجزائرية، محررا ثقافيا وكاتب عمود. الآن هو متحرر من كل الالتزامات الوظيفية عدى التدقيق اللغوي.

صدر له:

- تصريح بالضياع عن منشورات الاختلاف أبريل2009

- يوم رائع للموت عن منشورات الاختلاف والدار العربية للعلوم ناشرون بلبنان

عن جريدة البعث

حوار: باسم سليمان

www.basemsoliman.wordpress.com

[email protected]