أولى كيمياء/ هندسة القاهرة
2009-12-14
كان نهارًا لا يُنسى! دعوةٌ كريمة من د. أحمد جابر، أستاذ مادة "الإنسانيات" بجامعة القاهرة، لإلقاء محاضرةٍ عنوانها: "العمارةُ أمُّ الفنون"، على طلاّب الصفِّ الأول، قسم الكيمياء، بكلية الهندسة. خلعتُ عنّي ثوبَ الشاعرة، وبحثتُ عن ثوب المعمارية، الذي نَضَوْتُه منذ سنوات، حيث الصحافةُ والعمارةُ، كلاهما ذو إباءٍ، لا يقبل الشريك، فوجدت الثوبَ زاهيًا لم يزل.
صَبيّةٌ صبوحٌ بين صبايا بلون الغدِ المشرق، استقبلنني عند باب سيارتي، بباقة وردٍ، هي الآنَ أمامي في مزهرية فوق مكتبي، وأظنُّها لن تذبلَ مدى العمر!
شبابٌ في عُمر الزهر الواعد بكثير الرجاء. يحملون ما يجعلنا نراهن عليهم أن يخرجوا بمصرَ من عثرتها. بادرتُهم بإعلاني حسدي إياهم على أستاذهم د. جابر، المثقف الموسوعيّ، الذي سرَّب لهم حبَّ الثقافة والقراءة والبحث والتأمل وشحذ الذهن. أساتذتُهم الآن أدركوا أن العلومَ الإنسانيةَ حتميةٌ لطلاّب الهندسة، فيما أنا من جيل فصلَ، بحدِّ السيف، بين العلميّ، والأدبيّ! فكنتُ أضطرُ إلى استعارة كتب الفلسفة وعلم النفس والتاريخ من زملاء القسم الأدبيّ. أقرأها خلسةً، بعيدًا عن عيون أمي الحاسمة، التي لم تسمح بأن أقرأ حرفًا خارج المنهج العلميّ الجامد بمعادلاته الرياضية وهندسته الفراغية وكيميائه وفيزيائه! في هندسة عين شمس، قبل عقدين، تعلمتُ أن العلومَ الإنسانية تخصُّ كليّات أخرى، مثل الآداب والحقوق والإعلام؛ فيما تسيرُ الهندسةُ في دربها الناشف! لكن العمارةَ أمُّ الفنون، فكيف لا نتعلّم كيف يشعرُ ويفكرُ ويحلمُ هذا الإنسان الذي سوف نبني له بيتًا؟!
خلال ساعتين، تكلمنا كثيرًا. تكلمنا عن المادة والصورة، الوظيفة والجمال، المضمون والشكل، منذ أفلاطون وحتى ما بعد الحداثة. مرورًا بأرسطو وفرانك لودرايت وميز فان ديرّو.
ناقشنا حتمية الفنّ في حياة الناس. وكيف انتبه الإغريقُ إلى نزعة غريزية لدى الإنسان تدفعه للفن، نُشدانًا للّذّة الروحية العُليا، حتى هتفَ أفلاطون: "علّموا أولادَكم الفنَّ، ثم أغلِقوا السجون!". ناقشنا عائلةَ الفنِّ السداسية: العمارةُ، النحتُ، التشكيلُ(العائلة المكانية، التي تعتمد النِّسَبَ والمسافة والأبعاد)، والمسرحُ، والشِّعرُ، والموسيقى(العائلة الزمانية، التي تعتمدُ التوقيعاتِ الزمنيةَ والإيقاع). وكيف حاول الفلاسفةُ مدَّ جسور بين العائلتين، بتحليل العمارة، مثلا، بدلالات الإيقاعات الموسيقية، الخ.
تكلمنا عن نظرية الجمال، وعن البساطة والتعقيد في الفن. عن العمارة وتطورها، منذ ابتنى الإنسانُ مأوًى من جذوع الشجر، ليحميَه من الضواري، والطبيعةَ القاسية، إلى أن اعتلى شواهقَ عالياتٍ يناطحُ بها السحابَ. مررنا على المدارس الفنية، بدءًا بالكلاسيكية، وعمارة العصور الوسطى، والباروك والروكوكو، والقوطية، والتفكيكية، والتكعيبية، والحداثية، وما بعد الحداثية، وصولاً إلى العمارة الخضراء، التي ظهرتْ مع خوف الإنسان من النفاد، الوشيك جدًّا، للطاقة والمياه والنفط. فرجع الإنسانُ، "بتأدّب"، ليصالح الطبيعة التي كمْ آذاها! ثم لينهل منها طاقةَ شمسها ورياحها وخُضرة أشجارها. رفضنا الحديثَ، ولو مرورًا عابرًا، عن العمارة الفرعونية التي أذهلت الوجود، خوفًا من الكلام عنها في عجالة لا تليق بِهَوْلِها. تلك العمارة التي استحقت مصرُ من أجلها أن تكون البلدَ الوحيد الذي نُحِتَ من أجله عِلْمٌ خاصٌّ مشتقٌّ من اسمه: المصريات، Egyptology.
تكلمنا عن حسن فتحي، شيخ المعماريين المصريين، صاحب "عمارة الفقراء"، وتكلمنا عن نبيل شحاته، المعماريّ المصري الموهوب، صاحب مشروع "بيت القاهرة" بمدينة الفسطاط، جوار بحيرة مجرى العيون بالقاهرة، ذاك الذي يمثّل نموذجًا رائعًا للعمارة الخضراء التي تهدف إلى ترشيد إنفاق المياه وتعتمدُ الطبيعةَ مصدرًا للطاقة والتكييف والإضاءة.
سألوني: هل مصرُ عربيةٌ؟ قلتُ: مصرُ ليستْ عربيةً، مصرُ مصريةٌ! هكذا أراها، ولستُ أدعوكم إلى رؤية ما أرى. لكنْ أدعوكم، بإصرار، أن تؤمنوا بأنكم أبناءُ سلالة من أرقى سلالات الدنيا، وعِرْقٍ من أرفع أعراق الأرض، أدعوكم أن تعلموا أنكم تحملون جيناتٍ حضاريةً علَّمتِ العالمين الفكرَ والعِلمَ والسياسة والفنَّ، وقتما كانتِ البشريةُ ترفلُ في الجهالة والهمجية. أحثّكم، كأبناء بلد عظيم اسمه "مصرُ"، أن تعلموا أنكم نتاجُ مجد عريق، وعليكم أن تعملوا على استحضار حجر الفلاسفة، الذي هو استرداد هذا المجد، الذي تستحقه مصرُ. وعليكم رِهانُنا.
النشر الورقي المصري اليوم
النشر الألكتروني موقع ألف
خبر صحافي
الجدير بالذكر أن الأديبة فاطمة ناعوت ستقوم بتوقيع كتابها الجديد "المُغنّي والحكّاء" الصادر عن سلسلة "كتاب اليوم" مؤسسة أخبار اليوم. ضمن حفل تقيمه مكتبة "حنين" بجاردن سيتي 7 ش الديوان جاردن سيتي- القاهرة
يناقش الكتاب الناقد د. أيمن تعيلب وتدير الندوة الأستاذة نوال مصطفى، رئيس تحرير سلسلة كتاب اليوم، ومدير المكتبة. وذلك يوم الأربعاء 16/12 الجاري. كما توقّع ناعوت على هامش الندوة عددا آخر من إصداراتها الأخرى المتوفرة بالمكتبة.
مكتبة حنين
08-أيار-2021
07-تشرين الأول-2017 | |
20-تموز-2014 | |
28-حزيران-2014 | |
18-حزيران-2014 | |
11-حزيران-2014 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |