إشراقات الهذيان وجبّة اللغة
2009-12-22
بما يهذي محمد المطرود بعد أن رشف خمر اللغة من دنان سيرتها فيه ؟.إن الوقوف في حضرة نصه تحتاج رقصة مولوية والدوران على أرض الحرف في جبة الكلمة في هواء الجملة الشعرية لتمارس حجا عبر تتبع خطاه لتقنص إشراقاته ويحل بك لسانه , فتنطق كما نطق وتزيد ما شاء لك الشعر من المدد.
"قالت أمي: لا تغرق/ وكان النهر كبيرا/ وغريقا على فتى مثلي / ومغويا رأيت على وجهه/ صور الذين أغراهم / أحياء يتراشقون بكريستاله/ أمي كانت تمسكني بيد/ وبالأخرى تدفعني إلى جوفه/ الغامض". المطرود في نصه الموسوم" ما يقوله الولد الهاذي" يضع نفسه رهن إعادة الاكتشاف يقول في قصيدته " بطاقات عن نقص لا أتداركه" : " أنا القارة الجديدة/ القارة التي ستكتشف ( البارحة)" . هذه البارحة التي تشكل عماد مقولته في " الهنا" لا تبحث عن ترميم الذاكرة أو تحرير الحاضر منها عبر فك رقبة النص بفعل الكون الناقص" كان" وإطلاق " اليكون" بل هي محاولة لفهم صيرورة الهوية , هوية الشاعر وهوية النص في نفس الوقت لتكاد تصبح هذه القصيدة هي الأرض التي تفك شفرات تضاريسها القصائد اللاحقة وكأنها أوتار آلة موسيقية والقصائد التي تليها هي أصابع العازف الشاعر" لما رأيت أني بلا أسلاف وأب/ فضلت أن أكون ابنا لأحد يحميني/ وأمي , أم بطيئة/ فأولد كبيرا بقدمين كبيرتين / وساقين طويلتين تنفعان للركض/ ولركل الكرة وقفز الأنهار الصغيرة/ ويدين قويتين تلويان أيادي أقراني الكبار".
تأتي قصيدة " بعض الولد سيرته" لتعلن الحركة الأولى في التشكيل الذي ابتغاه المطرود على قصيدة التأسيس " بطاقات عن نقص لا أتداركه" فيقول :" قلت نبوءة: لن تضيق قمصانه عليه/ فيخاف من حبر يلوثه أو مجد يخسره" لأنه " كأي طفل شقي/ يسكن روح الورق القديم/ وتتسخ بالحبر أصابعه" تتكشف قارة البارحة في ثنايا نصه هذا عبر طواف في أرواح الأسلاف وأيضا الأحفاد متلمسا خيط الحبر الخفي الذي يظلل به الباهت من ظله , فتتحدد الخطوط وتتضح الرؤيا " سيأتي يوم يصارحونه على خجل : صدقت " هذه النبوءة المستترة تهذي بها قصيدة "الدائرة" عندما يسمع كالمريد من شيخه , فيتجلى الأب له ؛ليفك له مورثات الزمن فيه " قال: أنظر......... فنظرت/ رأيت الناس بصمات الدم على الأرض/ ورأيتني مثل بقية الناس في دمهم/ امشي خاف نعشهم أو نعشي/ قلت : ما هذا/ قال : اسكن ما رأيت/ فسكنت".
المطرود يُعمِر نصه " نص الخديعة ( الحركات الست)" , إذ يهبط للنص , بعضه عدو بعض ,يرتب به عبر فوضى إلهام الشعر أرضه الخربة " نام المخطئ عظيما في أحلامه" يعيد على نفسه سيرته حتى يقول أنا أنا ولكن " ما من يد ثالثة تجعلك الحلاج , وتخفي اصفرارك" . هنا يدرك نفسه إدراكا لا يكتمل , فيرى فيه غايته التي لن تتم إذ جوهرها النقصان وهو تمامها الذي يسمح لها الاتحاد بالحياة ولكنها تأخذ من النقصان وتمعن في تقمصه , فكيف يكتمل؟, وهو كما يقول:" هذا الولد المترامي الخيبات/ لطالما بنى عالمه الحلو كأنه بيته/ واستدل إلى كنه, جمال الطاغوت / وأيقن بهامش المجنون وفطنة العاقل / أن الأشباح اللواتي رافقته / هي خدعة جسده وظله المديد " هذا الهذيان لن يبقى ويكتمل إلا بالقول و بأن يقوله الهاذي محمد المطرود والقول سماع الآخر.
المطرود الذي تلتف عليه أفاع المعنى يقيم نصه عبر لغة تلتف على نفسها بأن تتبادل الدلالات الدوال عبر تناص يستحضر القول البشري عبر سيروراته من أخيل إلى سيرة بعض الأنبياء ولكن الرمز لا يبقى جافا لديه بل يعجنه في صلصال النص, فيضيع تمايزه ليظهر بتمايز جديد يتأسس على نص الشاعر وصانعا من مكانه, الفرن الذي يشوي به مزهريات ذاكرته وحاضره , فيأتي مكان العيش كظل يتبع صاحبه ومرهونا لشمسه , فترق لغته كأنها غزالة انتزعها من حالة التوحش , فتكون له أم ترضعه ليقوى على قوله .
نص الهوية الذي يكاد يكون ثيمة أكثر النصوص المكتوبة حاليا , لا يقع فيه المطرود بمرآة الأنا فقط بل يوازي بين كل المرايا وكل الضمائر حيث تظهر من خلال القول وإن كان بصوت الأنا لكن هذه الأنا تشف , فيبان من خلالها الغير مهما يكن وهذا التنافذ يجعلها قابلة على تحميلها بهويات الآخرين وبنفس الوقت تحميل تجربتها لهم, فتندغم الأنا بالضمائر الأخرى , لتتجلى هوية واحدة هي الإنسان كجامع للتجربة البشرية.
"ما يقوله الولد الهاذي " نص للتأمل صادر عن دار الرائي 2009 ل محمد المطرود
باسم سليمان
ملحق أبوب تشرين
08-أيار-2021
29-كانون الأول-2018 | |
02-حزيران-2018 | |
17-آذار-2018 | |
23-كانون الأول-2014 | |
04-آذار-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |