رواية/ سقط سهوا الجزء الأخير
2010-01-17
(10)
فى تمام الساعة العاشرة كنت أمام معرض اللوحات فى موعده المحدد بعد ما هبطت من التاكسى، وتذكرت آخر معرض عرضت به لوحاتى، كان يوما رائعا، كان الحاضرون كثيرين مثل اليوم. كنت هادئا، أنيقا، أسير بخطى واثقة، اعتقد أن هذه هـى الحالة التى كنت عليها.
لم يكن أحد فى استقبالى فدخلت. كان كل الحاضرين متأنقين، روائح عطورهم تختلط وثيابهم فاخرة. فأحسست برداءة ما أرتديه. لفت انتباهى تلك الفتاة التى توحى ملامحها وملابسها الأنيقة بأنها فى العشرين من العمر منهمكة فى الشرح والمناقشات مع الحضور أمام اللوحات، تمر على اللوحات واحدة واحدة تشرحها وتناقش إبداعها بسعادة بالغة.
لفت انتباهى تلك اللوحة، كانت اللوحة لفتاة تجلس على مقعد وهـى ترتدى زيا كلاسيكيا يعود إلى بدايات القرن العشرين، ترتدى فستانا أبيض يصل حتى القدمين بينما تضع يديها على فخذيها، أما نظرات عينيها فكانت تحمل تعبيرا أقرب إلى اليقين، إلى الرضا بما يحدث. ظللت واقفا أمامها شاردا أتخيل مكانها جيهان وأحيانا كانت تطفو ليلى مكانها وكأننى حائر بينهما، لكن ليلى لم تعد تلك المرأة الفاضلة التى كنت أحبها، لقد فعلت الخطيئة معى ونحن منفصلان كيف وافقت بهذه السهولة.
فرغت الفتاة مما فيه ثم دلفت إلى آخر المعرض، تقف أمام إحدى اللوحات تسوى شعرها بخجل وتضع ذراعيها متقاطعين على الجيبة التى لا تصل إلى الركبة :
- هل تعجبك اللوحة؟
لا أعرف كيف انجذبت إليها بهذه السرعة، ولا أعرف كيف وقفت خلفها وألقيت عليها سؤالى :
- فاروق ... أستاذ فاروق.
قالتها والابتسامة تكسو وجهها.
- جومانة .. أليس كذلك؟
- نعم ... أهلا بك أستاذ فاروق ... لقد أسعدنى وجودك.
- أنا الأسعد ... لأنكِ منحتينى فرصة لن تعوض، لقد أعجبنى المعرض. اللوحات رائعة. أنتِ فنانة حقيقية.
- إشادة أعتز بها. هذه أول شهادة أنالها من أستاذ كبير مثلك.
- ليست إشادة إنها الحقيقة. لقد عبرتى عن أوجاع المجتمع بأسلوب راقٍ وغير مبالغ فيه.
* * * * *
انقضى الوقت بسرعة كبيرة، وهممت بالخروج، جذبت سيجارة من علبتى وأشعلتها وجذبت نفسا، وقبل أن أهم بالإشارة إلى تاكسى جاءنى صوت جومانة، عندما شاهدتنى استدارت نحوى قائلة :
- تصبح على خير.
- وأنت أيضا.
- حسنا ... إلى اللقاء.
قالتها ويداها متشابكتان أمامها وتبتسم.
فتنحنحت قائلا :
- أنتِ ترسمين بشكل جيد ... جيد جدا.
- وكذلك أنت ... أنت مثلى الأعلى.
-أترغبين بتوصيلة.
- أ .. أ.. أنت معك سيارة؟
قالتها وهـى تضع سبابتها على فمها.
- كلا ... كنت سآخذ تاكسى.
- هههههه ... كلا أنا أملك سيارة، أترغب أنت فى توصيلة.
- كنت أعتقد أنك أنتِ التى تريدين توصيلة، كان منظرك يوحى بذلك.
- عندى هذه السيارة الصغيرة، إنها هناك.
قالتها وهـى تشير نحو سيارة اسبيرانزا فضية اللون.
* * * * *
أنزلت الزجاج ضاغطا بسبابتى على زر هبوط الزجاج إلى أسفل، بينما انطلقت جومانة بسيارتها بهدوء :
- كان لدى سؤال، أتمانع؟
- كلا ... تفضلى.
قلتها والابتسامة تعلو الشفاه.
- لماذا لا تمتلك سيارة؟
- لدى بعض المشاكل مع القيادة.
- حقا.
- نعم ... أنا أمتلك رخصة لكن ... عندى الكثير من السرحان أثناء القيادة.
- مممممممممم
- سيارتك جميلة جدا.
اندمجنا فى الحديث عن الفن التشكيلى وعن اللوحات وتطرقنا إلى الحديث عن حياة كل منا الخاصة وعرفت إنها فتاة وحيدة نشأت يتيمة اعتمدت على نفسها فى إنهاء دراستها مع بعض المساعدات من عمها الذى رفع يده عنها عقب إنهائها للمرحلة الجامعية وإلحاقها بوظيفة سكرتيرة فى إحدى شركات السياحة، وقد سبق لها الزواج من زميل لها فى الجامعة إلا إنه لم يستمر كثيرا، واكتشفت أنها تعرف عنى الكثير، فهى تعرف ليلى وجيهان وحتى ابنتى سلاف، مما أصابنى بالحيرة وجعلنى أفكر فى ذلك بعد ما استودعتها تحت باب البناية التى أسكن بها بعد ما أوصلتنى واتفقنا على المقابلة مرة أخرى.
هل ترعرعت تلك الفتاة فى إحدى اللوحات؟
* *
08-أيار-2021
17-كانون الثاني-2010 | |
06-كانون الثاني-2010 | |
29-كانون الأول-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |