آثارُ مصرَ فى مزاد الأثرياء
2010-01-25
تقدم أحدُ «الأثرياء الجدد»، ممن يسميهم الغرب New Money، بمقترح لمجلس الشعب يطالبُ فيه الدولةَ بالموافقة على حرية الاتجّار بآثار مصر فى الداخل! وهنا، كان يجب أن أكملَ المقالَ بعلامات تعجب!!! وفقط! وزيرُ الثقافة، وأمين عام المجلس الأعلى للآثار، طبعًا رفضا الأمرَ، وهدّدا بالاستقالة حالَ موافقة المجلس على هذا المقتَرح «المعيب».
رفضا لأنهما «مصريّان»، يدركان جيدًّا أن آثارَ بلادنا هى الهِبة المتبقية لدينا، نحن المصريين المنكوبين. هِبةٌ منحتها لنا السماءُ، حين اختارت أرضَنا لتكونَ أولَ بقعة نور فوق الكوكب، وهِبَةٌ صنعها لنا أجدادنا، مراهنين على أن أحفادَهم، نحن المصريين الراهنين، سوف يأتون بما لم يأته الأوائلُ؛ فيطورون الحضارةَ ويتسيدون العالم!
أما وقد خذلنا رهانهم، فليس أقلَّ من أن نحفظ ما تركوا من أثر؛ فلا نبدِّده، ولا نهينه، (مثلما نفعل عند سفح الهرم من كتابات على أحجاره سمجة، ورمى مخلفاتنا على مرأى من سيّاح يدفعون الملايين ليشاهدوا ما هو مبذولٌ لنا مجّانًا، ولا نعى قيمته)، وكذلك، لا نهرّبها لدول تعرف جيدًّا قيمتها التى لا تُقدَّر بثمن.
حسنى وحوّاس رفضا المقترح لأنهما مصريان يدركان أننا إزاء كنز، لنا، وفقط، حقُّ الانتفاع به، من حيث التباهى بكوننا أبناء حضارة صنعت التاريخ، ومن حيث التمتّع بما تدرُّه علينا من أموال (بفرض أن المواطن البسيط يتمتع بشىء من دخل السياحة وقناة السويس وعداهما من دخل مصر القومى!).
ورفضا لأنهما متحضران يعرفان أن تلك الآثار مُلكٌ لأبنائنا وأحفادنا حتى قيام الساعة، ومن ثَم فليس من حقّنا تبديدُها، بل حتمىٌّ أن نصونها لهم، كما صانها لنا مَن سبقونا! رفض الرجلان هذا المقترح لكل ما سبق من أسباب، فيما تقدّم رجلٌ بالاقتراح لأنه نقيضُ كلّ ما سبق!
وللحقّ لم يصبنى ذلك المقترح بالدهشة، بل بالاشمئزاز والحسرة! فهو اقتراح على «مقاس» تاجر! ليس غريبًا على مَن احتكر حديد مصر، أن يرمى ببصره نحو المزيد من ثرواتها، مما لم تملك يمينه بعد! أولئك الأثرياء الجدد، باعوا القطاع العام وسرّبوا أمواله للخارج، ضاربين صفحًا عن كادحين يعيشون تحت خط الفقر، يسكنون عشش الصفيح، ويشربون مياه الصرف، فيضربهم السرطانُ والفشلُ الكلوىّ والكبدىّ والرئوىّ، ثم يموتون دون أن يشعر بهم أحد.
وبعدما فرغوا من تجريد مصر من أموالها، انتبهوا أن ثمة ما تبقى من نسغها الممصوص: النيل والأثر، فتحوّلوا إلى شرائهما! فربما ينقصُ بهو قصورهم المنيفة التزيّنُ بقطعةٍ فرعونية أصلية، فكيف لا يرجون قانونًا يسمحُ بتجارة الأثر ماداموا يملكون ثمن شرائه؟
يشير المقترحُ إلى أن نحذو حذو أوروبا التى تسمح لمالك الأثر بالاتجار به داخل حدود دولته! وأغفلَ أمورًا ثلاثة. أولا: تبيح تلك الدول الاتجار فى آثار البلاد الأخرى، لا فى آثارها الخاصة. ثانيًا: لا شىء فى العالم يشبه آثار مصر، كمًّا وكيفًا. آثارُ العالم مجتمعةً تُعدُّ «طفلةً» جوار آثارنا الموغلة فى غور الزمن، ومن ثم يلزم مصرَ قانونٌ على قدر خصوصية أثرها. وثالثا: المواطنُ الفرنسى البسيط يمتلك من الوعى بقيمة الأثر ما لا يمتلكه، من أسف، مواطننا المُجَهَّل بفعل فاعل، المُثقَل بأفكار بليدة تقول إن آثارنا العظيمة ليست إلا مسوخًا وأوثانًا صنعها فراعينُ ملاعين!
فى مؤتمر «طيبة» بالأقصر، قبل شهر، التقيتُ شابًا يمتلك أحد البازارات. سألته: «هل تشعر بالفخر كونك تنتمى لأول حضارة فى التاريخ، وأنت تبيع نماذج تماثيل الفراعين، لسيّاح يأتون إليك من أقصى الأرض؟» نظر إلىّ بدهشة، ثم لوى شفتيه وقطّب جبينه وقال: «الفراعنة عملوا الأثارات دى عشان السياح يشتروها، هى أصنام، بس أكل العيش بقا!» ولم يكن يمزح.
النشر الورقي جريدة المصر اليوم
النشر الألكتروني موقع ألف
08-أيار-2021
07-تشرين الأول-2017 | |
20-تموز-2014 | |
28-حزيران-2014 | |
18-حزيران-2014 | |
11-حزيران-2014 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |