شمعةٌ مصريةٌ ضد القبح
2010-02-08
"نُسْغُ الشجرةِ"juice ، هو الهرموناتُ والسُّكّر والمعادنُ المُذابة في لِحاء الشجرة، يسري من جذورها العميقة الضاربة في عمق الأرض، ليغذّي حتى أصغر برعم وليد في الأعلى، فيمنحه رواءه واخضراره. وبالتدريج، بمرور الزمن، تتكون طبقاتٌ قشرية حول جذعها على هيئة دوائر، تشير إلى السنوات التي عاشتها الشجرةُ منذ ميلادها الأول. وتأتي الكائناتُ الطفيلية الخبيثة والقوارضُ لتحفرَ لنفسها مأوًى في خشبها القِشريّ، لكنها لا تصلُ الُّنسغَ، إلا إذا ماتتِ الشجرةُ وتحلّلتْ وبادت. وفي عالم المعادن، نعلمُ أن صَهْرَ المعدن يُنتِج شوائبَ تطفو على السطح، نسمّيها: "الخَبَث" slag؛ يتمُّ كشطُها من سطح المعدن المنصهر، ليصفو لنا وجهُ المعدن برّاقًا مصقولا.
ولم أشكُّ يومًا في رُقّي الشعب المصري! وهنا أتكلم عن نُسغ الشعب ومعدنه، وليس عن قشوره السطحية التي طفت على السطح، مثلما يطفو الخَبَثُ الرديء فوق سطح المعدن. وحينما تحتشدُ جريدة "المصري اليوم"، وكتّابُها، لحملة مستمرة لتوعية الناس بطبيعة هذا الشعب الراقي، فهي إنما تضخُّ مزيدًا من الطاقة في ذلك النُّسغ العميق، من أجل لَفْظ الشوائب الغريبة، التي تحاول نخْرَ القلب الصحيح الطيب.
ويقتربُ عيدُ الحبّ. الحبُّ بمعناه الأشمل الصحيح. الحبُّ كما أرشدنا إليه أفلاطون في مثلثه المعروف: الحقُّ- الخيرُ- الجمال. وكما أرشدتنا إليه جميعُ الديانات السماوية والوضعية على حدٍّ سواء. ولذلك حينما سُئل الرسول محمد (ص): "أنَهْلَكُ وفينا الصالحون؟" أجابَ: "نعم، إذا كَثُر الخَبَث!" والخَبثُ لم يكثر في شعب مصر بعدُ، والحمد لله. لا يزالُ النسغُ طيبًا رائقًا، وسيظلُّ. فالدول ذات الحضارة، تعرفُ كيف لا تسمح للزمن أن ينال منها، وإن أصابها منه بعضُ الوهن، فتحوّل تجاعيدَ وجهها فتنةً وصِبًا، وتعيد بناء نسْغها الممشوق. وهل أكثرُ حضارةً وعراقة من مصر؟
وهؤلاء، مجموعةٌ من شباب مصر المثقف، قرروا أن يحتفلوا بعيد الحب القادم، الأحد 14 فبراير، على نحو أكثر فاعلية وجمالا. في تمام السابعة مساءً، ولمدة ساعة، وبالمواكبة مع جلسة محاكمة قتلة نجع حمادي، وفي تزامن مع ذكرى "الأربعين" للقَتلى الشهداء، سيضيئون "شمعةً مصرية". يقفون على دَرَج نقابة الصحفيين شاهرين علمَ مصر، ثم يُطلقون للفضاء حمامات سلام، على رباعيات صلاح جاهين وصوت محمد منير. فتكون تلك الشمعةُ المصريةُ هديةَ عيد الحب لقلب كل مصري يعرف أنه خُلق ليكون إنسانا. أدعو كلَّ مصريٍّ شريف للمشاركة في هذه الوقفة النبيلة.
اذهبوا، وليحمل كلٌّ منكم شمعةً ضدَّ القبح، ضدَّ الطائفية، ضدَّ التطرف، ضد كراهة مصرَ، ضد العنف والحقد والحسد والفوضى واللا-انتماء والبلطجة والقسوة والفاشية والفساد والإهمال والكسل والتفاهة والحمق والسفاهة والانحطاط والغباء والقمع والتخلّف والركاكة. شمعةٌ ضدٌّ للخبث والخبائث، لصالح الجمال والنور. شمعةً من أجل مجتمع مدنيّ يليق بمصرَ، وتليقُ به مصرُ، بوصفها أولَ بلد في التاريخ صنع دولةً ومدينةً ونظامًا وحضارةً وعِلمًا وفنًّا وخلودًا.
يعلّمنا كتاب "الخروجُ إلى النهار"، الشهير بكتاب الموتى، أن المصريَّ أدرك مبكرًا جدًّا، في فجر التاريخ، المعنى الحقيقي للحياة والموت. لكنه لم يعرف أبدًا أن أحفادًا سيولدون من صلبه يهرقون كلَّ ما بنى من حضارة ورقي!
هي وقفةٌ مثقفةٌ صامتةٌ كما الشموع. فالشمعةُ مثقفةٌ. في صمتها تقول ما لا تقوله أجملُ قصائد الشعر وأبلغُها. تعرفُ الشمعةُ الضئيلةُ الصامتةُ كيف تمزّقُ سُتُر الظلام الكثيف من حولها. ويعرفُ المصريّ كيف أن حُبَّ الله يبدأُ بحبِّ مخلوقاته، وأن حبَّ مصرَ يبدأ من حبِّ أبنائها. أما غلاظُ القلوب فليسوا إلا خَبثًا لن يلبث أن يتبددَ، ليصفو لنا وجهُ مصرَ، رائقًا نيّرًا، كما قَدَّرت لها السماءُ أن تكون.
ــــــــــــــ
جريدة المصري اليوم
08-أيار-2021
07-تشرين الأول-2017 | |
20-تموز-2014 | |
28-حزيران-2014 | |
18-حزيران-2014 | |
11-حزيران-2014 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |