البرامج الحوارية بين المعلومة والمعرفة
2010-02-10
يمتاز عصرنا بأنه عصر المعلومة وهذه المعلومة عادة ما تقدم مقطوعة عن شجرة سياقها , وهذا الدفق المعلوماتي الذي وجد نسبه بإذاعة الخبر ومن ثم تجلى بالخبر العاجل الذي يجبّه خبر عاجل آخر, أدى لتتراكم المعلومات دون تمحيص ولا تدقيق لتصبح المعلومة مبتدأ الجهل بعد أن كانت أصل المعرفة .
لم نقل ذلك إلا لكثرة البرامج الحوارية التي تريد من وقتها أن يكون عرضا ضخما للألوان والمفرقعات التي تنفجر بالمعلومات من قبل المتحاورين دون التوقف عند أي منها بالتحليل والتركيب , فالبرنامج مقسم لفقرات ولكل فقرة زمنها المحدد والانتقال لابد أن يجري سواء استطاع الضيف أن يلم بإجابته بأفق سؤال المقدم أم لم يستطع , فالمهم هو التجول ولكن ليس على القدمين بل بسرعة السيارة بحيث تتسارع المشاهد للوراء لتتيح لمشاهد أخرى بالمرور أمام العين التي أصابتها البلادة والتعب من التدقيق بهذه المشاهد التي لها سرعة شهب يخط ناره في سماء الحوار.
وتظهر هذه الحالة عندما يكون المقدم غير معد البرنامج . هذا الفصل بينهما لن تجبره السماعة التي يحاول به المعد توجيه بوصلة المقدم , فالأسئلة المعدة سابقا رغم حسناتها تعمل على قطع السياق , فالانتقال من سؤال لآخر وخاصة عندما يكون المقدم لم يلم حقا بتجربة الضيف, تجعل الكلام الحواري مشتت.
والحالة الثانية وبها يتم تدارك النقص السابق لكنه محكوم بالاختصاص, وهي حالة المعد والمقدم بنفس الوقت ولكن من هو المعد المقدم الذي يلم حقا بكل الاختصاصات؟, طبعا غير موجود!! , وهنا نعود للدخول بالحلقة المفرغة ذاتها وتصبح هذه البرامج أشبه بالتحقيقات التي تقوم بها الصحافة الصفراء هدفها الإثارة وفقط الإثارة دون الاهتمام بالحقيقة والمضمون.
ونضيف قضية الحرية ومساحتها وسياسة المحطة التلفزيونية والتوجهات المحكومة بها ومن ثم ثقافة المقدم الذي عرف شيء عن كل شيء ولكنه لم يعرف كل شيء عن شيء وبعد ذلك نتكلم عن البرامج الحوارية؟!!.
لاريب أن المختص بموضوع معين والدارس له كاختصاص معرفي لا معلوماتي سواء أكان من داخل الموضوع أو من خارجه, هو المؤهل لقيادة الحوار لبر الفائدة المرجوة منه وهو القادر على التحايل بنجاح على المعوقات التي يصادفها .
ولنأخذ مثلا البرامج الحوارية التي تعنى بالأدب ,فالوحيد القادر على قيادة هكذا برنامج هو الأديب أو الناقد ومن ثم ليس أي أديب بل الأديب في جنس ما كذلك الناقد الذي ينقد في جنس ما وغير ذلك يصبح الحوار مرور الكريم على اللئيم لن نجني منه إلا حسن السلام.
في زمن تتدفق به المعلومة بهذه الكثافة يصبح الاختصاص هو السبيل الوحيد للاستفادة منها وتخصيبها بالشكل الصحيح لتتحول لمعرفة والقول بغير ذلك يجعل برنامجا حواريا مع مغني ما, له صوت عنزة, يجذب الكثير من المشاهدين في حين برنامج ثقافي أو علمي لا يجد من يتابعه بل يبعد حتى المهتمين بهذا الجانب أما الجانب السياسي فلا أحد ينزعج من رؤية مشادة بين قطبين سياسيين يمررون الصفقات من تحت طاولة الشتائم المتبادلة ليكتفي المقدم بصب الوقود على النار والإعلان عن موعد الدعاية.
البرامج الحوارية في الفضائيات العربية تقدم المعلومة لا أكثر في حين المعرفة لا تجد من يقلب صفحاتها , فقول المعلومة يظل أسهل بكثير وأقل كلفة من التكلم بالمعرفة؟! .
النشر الورقي جريدة الثورة
النشر الألكتروني موقع ألف
08-أيار-2021
29-كانون الأول-2018 | |
02-حزيران-2018 | |
17-آذار-2018 | |
23-كانون الأول-2014 | |
04-آذار-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |