معرض الجنايني بالأقصر يمزجُ الشعرَ بالتشكيل
2010-03-09
في فندق "المَرْسَم" بمدينة الأقصر بالجنوب المصريّ، يُعرَضُ الآن أحدث معارض الفنان أحمد الجنايني من 10 فبراير الجاري، وحتى يوم 24 منه، وتقرَّر مدّه أسبوعًا آخر نزولا على رغبة الروّاد، ثم ينتقل المعرض إلى كلية الفنون الجميلة جامعة الأقصر، بدعوة من عميد الكلية د. صالح عبد المجيد، ود. محمد عرابي رئيس قسم التصوير بالكلية، وذلك في الأسبوع الأول من مارس، على أن تصاحب المعرضَ ورشةُ عمل لطلاب الكلية.
أما حكاية فندق "المرسم"، فلا تخلو من شعرية تليقُ باللوحات التي تزيِّن جدران صحنه الواسع. كان الفندق بيتًا مصممًا على الطراز العربي القديم. له حوش داخلي، تتشعَّب من مركزه أروقةٌ إشعاعية تتراص على جانبيها غرفٌ تطلُّ على نيل الأقصر من جهة البرّ الغربيّ. مالكُ الدار هو الشيخ علي عبد الرسول، الذي لم يبرحه حُلمُ أن يتمَّ كشفٌ أثري فرعونيّ على يد مواطن مصري وعلى نفقته الخاصة. ظل يكافح بيروقراطية مصلحة الآثار المصرية، طيلة عمره الذي انقضى عام 1988، من أجل الحصول على تصريح بكشف سرداب مقبرة الملك سيتي، الذي اكتشفه أبوه محمد عبد الرسول مع الإيطالي باتيستا جوفيانى بلزونى الذي كان جاء للبحث عن منابع النيل. ويعود الفضل إلى الشيخ عبد الرسول في اكتشاف كثير من الآثار الفرعونية بالأقصر، تلك المدينة التي وصفتها الموسوعاتُ بـ"المتحف المفتوح" كونها تضمُّ، وحدها، ثلثَ آثار العالم. كان ذلك الشيخ، في الثمانينات الماضية، يتجول مع الرئيس الأمريكي جيمي كارتر ليرشده إلى أماكن الحفر التي تحتها الأثر. وبسبب هوس الشيخ عبد الرسول بالفنّ، فقد ابتنى هذا البيت عام 1945 وخصصه لاستضافة الفنانين المصريين مثل عبد الهادي الجزار وحامد ندا وعز الدين نجيب وسواهم، ليقيموا ورشَ رسم، مستلهمين النيلَ ومقابرَ الفراعين ووادي الملكات ومعبدَيْ مِرنبتاح ورامسيوم المجاوريْن البيت، ذاك الذي سوف يتحول إلى فندق يحمل ذات الاسم: المرسم.
قدّم الجنايني في معرضه ثماني وثلاثين لوحةً ما بين الأكواريل والأكريليك. الجديدُ في هذا المعرض هو مزاوجته الشعرَ بالتشكيل، ليس من باب الترجمة التشكيلية للكلمات الشعرية، أو الترجمة الشعرية للتكوين التشكيلي، بل إن الحروف العربية التي تنسج القصيدة تمثّل جزءًا أصيلاً من التكوين البصريّ للتشكيل، بمعنى أن محوها يخلُّ بالاتزان التكويني للوحة. والجديد أيضًا أن هذا التكوين (الشعر-تشكيلي) ابنٌ بكليّته للفنان الجنايني، لأنه يكتب الشعرَ عطفًا على كونه تشكيليًا. يقول الجنايني إن للحرف العربي في لوحاته حضورًا بصريًّا حتميًّا، يسبب انتزاعُه خللا جوهريًا في البناء التشكيلي. وهنا بوسعنا أن نقول إن القصائدَ القصيرةَ السابحةَ حروفُها في نسيج الخطوط والألوان، تقفُ كهيكل تأسيسيّ للوحة، على المستويين المضموني والجمالي. ذاك إن كلمات القصيدة تحملُ، بشكل أو بآخر، مضمونَ التشكيل، كما أن تكوين الحروف العربية سيموطيقيًّا يقف بانحناءاته واستداراته واستقاماته بوصفه "البطل" في متن التشكيل اللونيّ. هذه التجربة تختلف مثلا عن تجربة فنان الخط العربي التونسي نجا المهداوي الذي صنع مع الفنان التشكيلي الألماني هانكار تجربةً زاوجت التشكيل مع الحرف العربي، دون أن يتكئ التشكيل بشكل مضموني على دلالة الحرف، بل اكتفى بالمجاورة الجمالية الشكلية بين رسم الحرف العربي ضمن خطوط التشكيل واللون.
المقطوعاتُ الشعرية تنتمي لقصائد الومضة الفلاشية القصيرة، وهي من ديوان "على جناح فراشة" لأحمد الجنايني ويصدر قريبًا مدعومًا ببعض لوحات الفنان. على تلك اللوحات نقرأ: "ليس من حقي أن أثور/ حين تغلقين في المساء هاتفك/ لكنني/ سأكتشف طريقة أخرى لهيكلة الاتصال/ عبر نازك الملائكة/ وربما درويش/ وصوت فيروز المحاصَر/ في دمى."، "أنا والموت/ لصّان/ كان يسرقُ من القلبِ عُمرًا ويهرُبْ/ وكنتُ بصمتٍ شفيفٍ/ أفتشُ عن لحظةٍ أشْتهيها."، "صُبِّى غضَبكِ على ساحلي/ وامنحيني موتاً جديدا."، "في المساء/ أغْمضي شفتيكِ القرمزيتين/ سيكونُ العالمُ ساكناً/ وربما/ لا أستطيع النعاسْ."، " هل تحبينَ القهوةَ؟/ كنت أحسبني هكذا/ غير إنني تأكدتُ/ -منذ اللقاء الأخير-/ أنها توقظني/ لحظة الموت الجميل."، "لا تقتربي من القلبِ/ لأنه قابلٌ للانفجار/ واحذري الموتَ لأنه/ لا يؤمنُ بالحوار."، " البنتُ التي منحْتُها دفاترَ شعري/ تردََّدتْ/ قبل أن تمنَحَنِي قلماً/ أوقعُ به ما كتبتُ/ ليلة البارحة."، "لا أدري/ لماذا غامرتْ هذه المرأةُ/ فمنحتني قلبها/ رغم إنها/ -على حد قراءتي-/ لا تمتلكُ قلباً آخر."، " سأرسُمكِ عاريةً/ إلا من قلبِكِ/ وسترسمينني عارياً/ إلا من جنوني/ وسنمنحُ الزمنَ وقتاً/ ربما لا يكون كافياً/ لانتحار القلب/ من نافذةِ الجنون."، "سأرسلُ لكِ عبْرَ هاتفكِ الجوَّال/ ما لم أسْتطعْ إرساله/ عبرَ شفتيكِ المحاصرتينِ بالسكونْ."
بهذه التجربة ودّ الجنايني أن يختبر كمَّ الطاقات الخبيئة داخل الحرف العربي مضمونيًّا وسيموطيقيًّا وجماليًّا حينما يقفُ الحرف كركن ركين من بناء اللوحة البصرية.
عُرض هذا المعرض للمرة الأولى قبل شهرين في لبنان على هامش "سمبوزيوم إهدن" بالشمال اللبناني بمشاركة الفنان اللبناني جورج زعتيني. وكتبت الناقدةُ جين زعتيني تقول: "على إيقاع ضربات الفرشاة التي تلِجُ بكَ في عمق سؤال الوجود الأبدي، دلفتُ فضاء اللون الذي يصوغ رحلة الفنان المصري أحمد الجنايني نحو العالم الصوفيّ، حيث تموجات اللون تشتبك وتنصهر بأسلوب أسطوري غامض."
يذكر أن الجنايني من مواليد الدقهلية/ مصر، أقام العشرات من المعارض بمصر والعالم، وحاز العديد من الأوسمة والجوائز ودروع التكريم، وله تحت الطبع رواية بعنوان "عاريات مودلياني- سيرة لذاكرة اللون"، يتحدث فيها عن رحلته عبر الفن، بعدما هجر عمله كمهندس ميكانيكا ليلحق بحلم اللون والفرشاة، فراح يطارد، في بداية حياته، آثار مودلياني الذي شغف بها، وسواه من الفنانين في إيطاليا وألمانيا.
08-أيار-2021
07-تشرين الأول-2017 | |
20-تموز-2014 | |
28-حزيران-2014 | |
18-حزيران-2014 | |
11-حزيران-2014 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |