الأنوثة فرادة مستبعدة بكثرة المرأة
2010-03-16
في حدثها الشعري الجديد تواجه سوزان ابراهيم كثرتها غير المتعينة, تريد خلاصا يقيم فرادتها ويدحض نمطية تجد جذرها في اللاوعي الجمعي؛ حيث المرأة أخذت من امرؤ ولم تؤخذ من أنثى , فالمرأة صيغة لمجتمع ذكوري لا يرى بالنساء سوى القوامة عليهن ,فتصبح الأنثى باللغة, امرأة , زائدة تصرفية ,لا كما هي في الطبيعة اندماج بلا ذوبان , قائمة بذاتها كما الذكورة, أي أن تكون المرأة الأنثى لا المرأة وفق تقسيما لغوي ومجتمعي " كثيرة أنت/ نساء في امرأة/ فمن أسجن , ومن أنفي؟/ من أكره منهن , ومن أحب/ كوني كما ينبغي / امرأة أقل" .
اشتغلت سوزان على التناص مع المحاميل الفكرية القارة للمجتمع لتفكيكها فيذهن المتلقي , وذلك عبر حقن الدلالة الثابتة بالمعرفة المتغيرة كأنزيم لتشكيل مضادات طبيعية تعيد تخليق الفهم الصحيح لدور الذكر والأنثى بالمجتمع, فقولها: "امرأة أقل " يعني :إن المرأة أنثى قبل أن تكون امرأة , فنسيان هذه الأنوثة لدورها هو ما جعل ذكورية الرجل تتضخم بشكل مرضي ليحول الأنثى لمرأة مدجنة بحجة المجتمع وهذا التضخم أفقد الرجل ذكوريته الحقة التي لم يبق منها سوى فحولة متسترة باسم الرجولة.
سوزان تختار الجملة الأولى من هذا المقطع كعتبة نصية تسم الديوان كله وعلى هداه يتم اللعب الشعري لتفكيك الكثرة النمطية التي تحكم الأنثى عبر الاشتغال على التناص الفكري الذي يسود في المجتمع للتهكم منه وبناء فكرا لا يستند على المقابلة بل على الخصوصية التي هي كون بذاته " امرأة أنا يا أمي/ أعرف أسرار الجدات/ وسراديب شهرزاد/ وكل تمائمك المرصعة بألف نعم/ امرأة أنا يا أمي/ صندوق عرسك لا يلزمني/ أكره أساوركن /قلائدكن / خواتمكن/ وكل ما يشتهي الإحاطة بي" وهنا في خطابها للأم / المرأة بالمطلق , تعلن معرفتها الكاملة بعالم المرأة وترفضه؛لذلك هي وحيدة لكن غنية وحرة " وحيدة/ ولي ما ليس لهن/ شمس تنضج صحوي برفق/...../ لي : متعة التمدد والتكاسل/ وثير الصمت/ ترف الأفق/ مفاتيح الأبواب, والوقت, والطرقات" وعلاقتها بالرجل صحية " لي مفكرة لا تحظى بخفر السواحل/ لا أخفي أسماء الرجال/ ورسائلهم , وأرقام هواتفهم / في جيوب ثياب مهملة" هذه هي الأنثى التي لها ما ليس للمرأة.
والتهكم لديها يأخذ مداه في وجه المجتمع والرجل الكائن فيه لتنتج الرجل المشتهى "غرفتك .. فيها الجسد سرير/ غرفتي .. فيها الجسد أرجوحة تحلق/ تبحث عن جارية بصك حصري/ أبحث عن خالق/ تحتاجني أرضا .. أحتاجك السماء " فحاجة الرجل لها حتى وإن كانت أرضا جاءت منكرة في حين جاءت حاجتها له معرفة , وتتابع ,فهكذا رجل لا بد أن يتم تعريته لتحريره من استلابه, فهو سيد القبيلة "ستبقى بكارتها / عمود قبيلته" فهذا الشرف الذي صار من الممكن استيراده من الصين لأنه مرهون لقراءة خاطئة للمعرفة "ستبقى حقيقته رهنا/ بقراءة تفاحها" وبعد هذا, من هو الرجل المشتهى ؟. الرجل العارف كما أنكيدو" لم يكن بحوزته أوراق ثبوتية/ لم أعرف مكانا أو تاريخ الولادة/ قلت : خرجت إليكَ/ فالعباد لما يفقوا بعد/ قال: عودي إليك/ قلت : لم تحسب على الوقت كما يحسب/ للحمقى والسكارى والمستبدين/ لم يكون يومي مثل يومهم أربعا وعشرين ساعة؟/ قال : كوني, ولا تصبحي/ لا تخرجي منكِ- مني/ أطفئي الذاكرة تستنيري/ فاللاذهاب وصول".
شعرية تخرج باليومي للزمني وبالتفصيلي الزائل إلى صيرورة الحياة , عبر تدوير الدلالة ومقاربتها بعدة مقاطع شعرية تحت مظلة العنوان وكأن القصيدة لديها مكعب تظهر الخفي منه بالظاهر وتخفي الظاهر منه بالخفي , فيأتي مقطعها الشعري كاملا لكنه يمد جسور الصلة بينه وبين الوجوه الأخرى للمقاطع على محمل جملة شعرية سريعة ومقتضبة وكلمات منتقاة بعناية تدخل دلالة الكلمة في مدار المقطع الشعري وبذلك تحكم تأويلها بشفق المقطع المحدد بأفق القصيدة /الفكرة, فشعرية المقول لديها جاءت أهم من شعرية القول ولكنهما تشابكتا لتقديم قصيدة جميلة.
"كثيرة أنت" مجموعة شعرية ل سوزان ابراهيم صادرة عن دار التكوين دمشق 2010
أبواب / تشرين
باسم سليمان
[email protected]
08-أيار-2021
29-كانون الأول-2018 | |
02-حزيران-2018 | |
17-آذار-2018 | |
23-كانون الأول-2014 | |
04-آذار-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |