ساعةُ الحائط
2010-03-22
في كتاب "الغصنُ الذهبيّ"، يقول سير جيمس فريزر إن الموجوداتِ تظلُّ في حالة تأثير في أجزائها، حتى بعدما تنفصل عن بعضها البعض فيزيقيًّا. وهو ما أسماه "السِّحر الاتصاليّ". هو لونٌ من "التعاطف الخَفيّ"، وفق د. سامية الساعاتي، يجعلُ الأشياءَ تتأثر وتؤثر، بعد انفصالها عن أصحابها. لم أكن أصدقُ تلك الظواهر، لكنني أحبُّ الآن أن أصدّقها، وإنْ لا عِلْمَ يثبتها. فنحن نبحثُ عن الوهم أحيانًا، كي نتقوّى على ضعفنا. أومنُ أن الموجودات تحملُ ذاكرةً وتاريخًا. فهذا الكتاب، يعرفُ الأيادي التي احتضنته، والأصابع التي قلّبت صفحاته، مثلما يحنقُ على مَن أهانه ولم يعبأ بوجوده، فنام ليلته حزينًا، على رفّ المكتبة. وذاك القلمُ يحملُ عاطفةً لكلِّ ورقةٍ راودها.
أما ساعةُ الحائط الجميلةُ تلك، التي تحتلُّ من بيتي زاويةً محسوبةً بدقّة؛ بحيث تواجه مكتبي، لأرقبها نهارًا، ومن زاوية قَصيّة، أقدرُ، عبر انعكاسات المرايا، أن أرمقَها من سريري ليلاً، لكي أطمئنَ، وأنام؛ فهي أمي! إنْ توقّفَ بندولُها عن الحركة، هرعتُ جَزْعَى، لأملأ الزنبركَ بالطاقة، فيعودُ الرنينُ إلى بيتي، ويعودُ معه صوتُ أمي الذي غادرني قبل عام ونصف، فانطفأ مع غيابه شيءٌ في قلبي. تلك ساعةُ أمي، كانت في بيتها قبل أن تتركني وتطير. كنتُ كلما زرتُها تبادرُني: "املئي الساعة، رنينُها يؤنسني!" وكنتُ أضجرُ من ذاك التكليف. فمالي أنا لأصعدَ سُلّمًا، أو أرتقي مقعدًا لكي أتعامل (بيسراي) مع زنبرك عنصريٍّ سخيف، صُمِّم لتملأه يدٌّ يُمنى، مثلما كلّ المخترعات مُصممة للاستعمال الأيمن، بينما أنا عسراء!
كثيرًا ما رفضتُ، وغاضبتُ أميّ. بل حملتُ الضغينةَ لساعة تهتمُّ بها أمي، دون مبرر، من وجهة نظري. اليومَ، غدتْ هذه الساعةُ اليدَ الحانيةَ الوحيدة في هذا العالم! غدت أمي! وبالأمس، في عيد الأم، أهديتُها وردةً، فرمقتني بحنوٍّ، ودقّت دقتين، رغم أن العقربَ لم يكن على رأس الساعة!
وهنا، قصيدةٌ كتبتها في أمي البديلة: ساعة الحائط، وأهديتها إلى أمي التي طارت: سهير.
ألبسُ قميصَكِ الورديَّ/ وروبَكِ الأزرقَ/ أشدُّ الإزارَ على خِصري/ وأضعُ شالَكِ الصوفيَّ على كتفيّ/ فتنبسطُ ساعداكِ/ تترفقانِ/ تضمّانني/ فأنام./ أُنصتُ إلى وَقْع دقّاتِ الساعة ذات البُندول/ صوتُها/ يستحضركِ وأنتِ تُعدّين لنا الشطائرَ في الصباح/ فيغسلُ عن بيتي الوحشةَ/ والبياض،/ يخبرُني أنكِ تنظرين إلىَّ من هناك/ هلْ أنتِ في السماءِ؟/ هلِ السماءُ جميلةٌ/ بها شجرٌ ووردٌ وحلوى وعصافيرُ؟/ ساعةُ الحائط ذات البندول الفضيّ/ قايضتُ شقيقي/ بكلِّ ما تملكين/ مقابلَ هذا الرنين./ كانت في بيتكِ قبل عام/ بيتنا القديم/ هي الآن في بيتي/ على الحائط المقابلِ صورتك/ في فستان زفافك إلى أبي/ هل قابلتِ أبي بعدُ؟/ هو هناك منذ عشرين عامًا/ لابد ابتنى لنا بيتًا/ وزرعَ حوله حديقةً ونخلاً وبحيرة/ ابحثي عنه/ ستجدينه جالسًا هناك/ تحت الشجرة/ يسمع فهد بلان وصباح وفيروز/ في انتظارك.ِ/ فستانُكِ الأبيضُ المطعم باللؤلؤ والتُّلّ والساتان/ وضعتُه جواركِ/ في الصندوق الخشبيّ./ تدقُّ الآن الثالثةَ/ الليلُ موحشٌ/ وأنا خائفةٌ/ وأنت/ وحشتيني!
08-أيار-2021
07-تشرين الأول-2017 | |
20-تموز-2014 | |
28-حزيران-2014 | |
18-حزيران-2014 | |
11-حزيران-2014 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |