كهاتين فى الجنّة
2010-04-12
ذهبتُ محتشدةً بفكرة أن الحزنَ سيغمرَنى لأسبوع قادم. دعوةٌ من فرع ثقافة الجيزة لحضور يوم ترفيهىّ لمائة طفل مصرىّ يتيم، بمناسبة يومه العالمىّ. أنْ تشاهدَ أطفالاً بدون سَنَدٍ فى الحياة، فأنتَ بالتأكيد مواجهٌ سؤالا صعبًا: كيف يدبّرُ أولئك الصغارُ حياتَهم، إنْ كانتِ الحياةُ صعبةً علينا، نحن الكبار!
ليس أقسى من الشعور بالعجز عن رسم بسمة على وجه طفل لا أمَّ له. وليس أجملَ من النجاح فى هذا. خاب ظنى، لحُسن الحظ، إذْ بوسع المجتمع أن يخلق لليتيم عشراتِ الأمهات والآباء، إن أراد. لم أرَ وجوهًا كابية يعلوها الأسى، كما توقعت، بل وجوه كأوراق الشجر الغضّ. جمع موظفو فرع ثقافة الجيزة من رواتبهم النحيلة ليصنعوا للأطفال يومًا مشرقًا، عامرًا بالهدايا والألوان والفرح، وساهم بنكُ الطعام بوجبات مبهجة لأولئك الذين كافِلُهم مع الرسول فى الجنة، كهاتين: السبّابة والوسطى.
فرقة «شقاوة٢» الاستعراضية للفنون الشعبية، بقيادة فتحى سعيد، مدير مركز طفل المنيرة الغربية، قدمت عرضًا مدهشًا يشدُّ وثاقَنا لتراب هذا البلد الجميل، مصر، بواديه الطىّب، وقُراه المنثورة على جانبيه. مجموعة من الصبايا الجميلات من المدارس الابتدائية والإعدادية، يرفلن فى ملابس الريف الزاهية، يرقصن فتطيرُ جدائلُهن السودُ، بين أكفّ صبيان فى جلباب الفلاح المصرىّ. رقصات مدهشة صممها د. أشرف فؤاد، ودرّبهم عليها الفنان محمد عبده، أحد أعضاء فرقة رضا الشهيرة.
«سعد، سعد، يحيا سعد»، هتاف أطلقه الصغارُ الحضور، مستلهمين هتافًا قديمًا فى سعد زغلول، فيدخل بعدها الطفلُ «سعد»، نموذج مصغّر من الفنان محمد منير. غنّى أغانيه، مقلّدًا كل حركة ولفتةً وخلجة يصنعها منير بسُمرته المصرية الآسرة التى تشعُّ بالفرح والرهان على غدٍ أجمل. فأيقنا أنْ: «لسه الأمانى ممكنة».
وكانت المفاجأة التى هزّت أركان قاعة ندوات الفرع. ميّادة أسامة وشقيقها عمرو. صبيّاان آسران يمتلكان حنجرتين لا مثيل لهما. كانا طفلين فى كورال الجيزة حتى اكتشفهما الفنان أحمد سعيد، ودعمهما فنيّا ليصبحا على هذا المستوى الرفيع من الأداء الطَّربىّ الفاتن. قدمّا، مع عزف علاء أسامة على الأورج، أغنيات من الفولكلور المصرىّ، فآمنتُ أن بمصر مواهبَ إن تولاها أولو الأمر لصنعنا زمنًا جميلا آخر، مثل الذى راح يحتضر بانتظام منذ ثلاثين عامًا.
ذلك هو الحراكُ الثقافىّ الحقُّ الذى نراهن عليه. الثقافةُ لا تكمنُ فى ندوات أدبية خاملة، وأمسيات شعرية بليدة، ومؤتمرات كسول لا يحضرها أحد. الثقافةُ تفرُّ من الأروقة البلاستيكية التى غابت عنها الروح، حيثُ مُنتِجُ الثقافة هو مستهلكُها(!)، ولا محلّ ثمة للمواطن المصرىّ البسيط، الذى ينبغى أن يكون هَمَّ المثقف الحقيقى، وشغلَه الشاغل. النساءُ المُسنّات، ربّات البيوت، الأطفالُ ذوو الاحتياجات الخاصة، اليتامى، هم نقطةُ استهداف تلك الندوات الجادة التى شهدتُ إحداها بالأمس، راجيةً أن تُدعَم مادىًّا وأدبىًّا وإعلامىًّا. ذلك الحراك وحده القادرُ على صوغ تنمية اجتماعية وحضارية حقيقية. تحيةً للهيئة العامة لقصور الثقافة، ولكلّ منبر يجعلُ الارتقاءَ بالمواطن المصرىّ رسالتَه.
عن المصري اليوم
[email protected]
08-أيار-2021
07-تشرين الأول-2017 | |
20-تموز-2014 | |
28-حزيران-2014 | |
18-حزيران-2014 | |
11-حزيران-2014 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |