في الزاوية الصحافية والكاتب والقارئ
2010-04-19
نعلم جيداً.. ماذا نعلم؟ نعلم أن الزاوية الإعلامية هي النوع الإعلامي الأكثر حرية من بين الأنواع الإعلامية الأخرى، ففيها يصول الكاتب ويجول وفق ما يمليه عليه عقله دون الالتزام بالأطر والقوالب الجامدة المفروضة في بعض الأنواع الإعلامية الأخرى، فهي بمثابة استراحة للقارئ...وأذكرُ أن أحد أساتذتنا في الجامعة عرّف الزاوية على أنها الكاتب نفسه، كتأكيد على مقدار الحرية التي يتمتع بها الكاتب في زاويته، وهي حقيقة لا يمكن لأيٍ منّا إنكارها..لكن السؤال الذي يعاني من تسرع في نبضات قلبه هو: هل هذه الحرية تعني أن تتحول الزاوية إلى ألبوم صور شخصية للكاتب نفسه ؟
قبل فترة وجيزة حصلتُ على كمٍ من المجلات العربية المتنوعة، البعض منها يعود إلى الثمانينات، والبعض الآخر يعود إلى التسعينات،أما البقية الباقية فهي حديثة نسبياً، ونظراً لكثافة الموضوعات أو ما شابه الموضوعات التي كانت تتضمنها، فقد اكتفيتُ بالتسكع على أرصفة الزوايا فقط..والطريف بالأمر، هو أنه بعد أن أفرغتُ من قراءة تلك الزوايا، لم تسعفني ذاكرتي باستدعاء أية فكرة جديرة بالذكر.. فهذا يتحدث عن اليوم الذي فشلت فيه طبخته العظيمة!، وذاك يتكلم عن الليلة التي سافر فيها إلى المحافظة الفلانية، والثالث يجادل في مسألة الصداقة التي تربط بين الزيت والزعتر!، والرابع احتار في أمره ليلة أمس، ولم يجد ما يدّونه في زاويته، فسطّر فيها قصيدة كان قد نشرها في عدد سابق!، والخامس يتحدث عن شخصية السادس وزمالتهما أيام الابتدائية
( اس الله على هديك الأيام!) ، والسادس –ذلك العظيم- الذي يدحض أفكار الفلاسفة بأفكاره الكرتونية ، ويتهمهم بأنهم دعاة المعرفة الفارغة!، مع صورة شخصية له بجوار زاويته، وهو يحمل بين أصابعه لفافة تبغه،ليؤكد لنا أنه بديع زمانه!، والسابع والثامن والمائة.. الخ ، دون أن يخطر على بال الأول فكرة الطبخة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تُطبخ للشرق الأوسط، ودون أن يرهق الثاني نفسه قليلاً بالحديث مثلاً، عن تكديس الكتب التي لا تُقرأ في المحافظة التي أبدع في وصف سفره إليها، ودون أن يكلّمنا الثالث عن الصداقة التي تكاد تنعدم على مستوى عالمي أو محلي أو حتى داخل الأسرة الواحدة بل داخل الشخص الواحد!، ودون أن يتنازل الرابع عن غروره، فيترك زاويته لمن هو أجدر منه بالكتابة، ودون أن يسأل السادس العظيم نفسه.. من أنا؟ قبل الشروع بأية مغامرة فكرية أو فلسفية، والكثير الكثير.
الزاوية هي الكاتب نفسه- نعلم ذلك- لكننا نعلم أيضا أن الكاتب ليس لنفسه، بل للآخرين، القُراء، وأنا كقارئ، أي قارئ،لستُ مستعداً لأن أضحي ببضعة دقائق في قراءة ما لا يخصني-لا من قريب ولا من بعيد- وسيكون من الأفضل أن استثمر هذه الدقائق في أمر آخر، كأن أحضّر لنفسي كوباً من الشاي مثلاً! أليس ذلك أفضل؟
الزاوية هي الكاتب نفسه- نعلم ذلك- لكننا نعلم أيضاً، أن الكاتب الذي لا يعيش هموم قرائه ومشاكلهم وأفكارهم، ويبقى محصوراً في قوقعته وسيرته الذاتية ويديم الانطواء على نفسه، دون أن يلتفت إلى ما يقض مضجع الآخرين وينغص عليهم عيشهم، هو كاتب لنفسه، ويكون عمره بل عمر كتابته كعمر الصحيفة يوماً واحداً لا أكثر، والأحرى به أن يحتفظ بكتاباته ، ليجمعها في كتاب ما ، يعنونها بـ (سيرة ذاتية) لتكون وثيقة له في يوم القيامة!، باعتبارها تشكل حياته كاملة دون زيادة أو نقصان.
الزاوية هي الكاتب نفسه- نعلم ذلك - لكنها الكاتب الذي لا ذاتية فردية له، الكاتب الذي تكون ذاتيته نتيجة ذوات، وبالتالي تكون ذاتية توحد، أي، الكاتب المتشعب، الذي يكون معبراً للآخرين، فيهمّ بقراءتهم، لا يدعوهم لقراءته.. وكذلك الكاتب الذي يعرف كيف ينقي همومه فيقدم ما يصلح منها بصبغة عامة ترضي الطرفين.. نفسه والآخرين .
الزاوية هي الكاتب نفسه، وقد تكون منعطفات حياتية شخصية- نعلم ذلك- لكننا نعلم أيضاً أن المنعطف الذي لا يشبه منعطفي( أنا كقارئ) لا يستحق التدوين، وان استحق التدوين، فلا يستحق القراءة، لا لشيء، فقط لأنه لا يشبهني.. فهي منعطفات شخصية، لكنها بالتأكيد، منعطفات ذات مغزى ومعنى وحياة وروح.
الزاوية هي الكاتب نفسه- نعلم ذلك- لكننا نعلم أيضاً أننا لا نقصد بحديثنا هذا، الكتّاب كلهم ، فهناك من يحترم نفسه ويحترم زاويته ونصه وقارئه، ويستأهل الانحناء أمامه،لكننا نقصد، أن قيمة الزاوية لا تتحدد بمدى حدتها أو قائميتها أو انفراجها، بل بمدى انفتاحها على الآخر المسكين الذي ينفق من وقته في قراءتها، لهذا نقول: يا كتّاب الزاوية، قليلا من الفكر، قليلاً من الألم العام، قليلاً من ذاتي (أنا كقارئ) وأيضاً بعضاً من الأمل.
××××××
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر.
ألف
08-أيار-2021
03-تشرين الثاني-2013 | |
20-آب-2011 | |
30-تموز-2011 | |
06-تموز-2011 | |
12-حزيران-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |