الترجمة لغة عبر لغوية
2010-05-21
من بلبلة الألسن في بابل والإنسان يسعى لفك حصار اختلاف الألسن الذي ابتلي فيه بغفلة من وحدة وعيه تجاه الكون أم أن بليته تمت بقصد لا نعلم كنهه؟!؛ رغم كل الدلائل تشير إلى أن الاختلاف غنى ؟!. هكذا مضى الإنسان يؤنسن الكون بلغاته المختلفة ككائن حي له خصائصه كما العصفور يصفّر الكون لغات لا نعرف منها إلا أنها ألحان عذبة .
هل هي حقا بلبلة تجعل المترجم الذي يفك أحبولة الألسن تلك في حيص بيص؟ أم أنه مجرد أن يعود لوعيه الإنساني الذي يسمو فوق تلك الاختلافات الظاهرية قادر على رد هذه اللغة إلى صلصال اللغات ويعيد تخريجها بلسان آخر تحمل كل معطيات تجربة اللسان المترجم عنه أو تنقص عنه قليلا إلى اللسان المترجم له ؛لتصبح هذه البلبلة مغامرة جمالية .
كل ترجمة خيانة وهي الخيانة الأجمل والمشروعة والمطلوبة في زمن يسكن سكانه قرية واحدة لم تعد تكفي فيه وتيرة الترجمة البطيئة التي تقوم على المناسبات بل الترجمة أصبحت مشروعا وطنيا لكل أمة لا تريد لنفساها أن تبقى في ذل الحضارة البشرية .
وللضرورة الترجمة نجد اليوم تلك الآلات التي تقوم بالترجمة ولكنها ينقصها الخيانة من حيث هي فعل إنساني يستطيع المترجم عبره تقمص روح لغة الشعب الذي يترجم عنه وبذلك ينقله نقلا يكاد يكون مضاهيا للأصل, وبقدر ما يخون المترجم ينتج نصا إبداعيا خالصا لأنه في تلك اللحظة يتماها من النص المترجم , فكل مترجم إن لم يكن عميلا مزدوجا من حيث تمكنه من اللغة المترجم عنها والمترجم إليها , سقطت ترجمته وانفضحت قاموسيتها الفجة وتصير أشبه بترجمة تلك الآلات التي تلبي طلب المستعجل للوجبات السريعة.
في كتابها الجديد تقدم دبي الثقافية أشعارا مترجمة لعدد من شعراء العالم على يد المترجم د. شهاب غانم يتناولها من سلّة الجهات الأرضية متناولا فيها شعراء ذاع سيطهم وآخرين لهم من الشهرة والعظمة الكفاية لكن حركة الترجمة البطيئة في عالمنا العربي أبعدتنا عنهم وعن نتاجاتهم وشعراء جدد يدلوا بدلوهم في القول الشعري من أصول عربية .
وغانم يقدم نظرته في الترجمة عبر مقدمة الكتاب عبر سيرة ذاتية مختصرة تؤرخ لعمله في ترجمة سواء من العربية للأجنبية أو العكس وهو من خلال ذلك يدلي بدلوه في تلك الخيانة أو كما لم يوافق على تسميتها كما سبق بل اعتبرها عملا إبداعيا من حيث أن المترجم يضع خبرة عمره وجهده في تلك النصوص وهو يرى أن الترجمة تفقد النص بعض جمالياته لجهة المحسنات البديعية والوزن ولكن يؤكد على ما قاله الناقد المتخصص يوسف بكار الذي قال في ترجمات د. غانم لرباعيات الخيام عن أدوارد فيتزجرالد " أما الترجمة نفسها, فليست حرفية بل اتصالية معنوية حافظ المترجم في كل رباعية منها على مفصلها الأصلي وبؤرتها المركزية وفكرتها الواحدة الدقيقة والرسالة التي رغب في إيصالها , وهذا هدف كل رباعية في هذا الجنس الأدبي عند أهله الأول, وما أكثر ما غاب عن عدد غفير من مترجمي الرباعيات العرب والأجانب".
وهنا نسأل : أليس من صفات هذه الاتصالية المعنوية عدم قصر روح النص للتوافق مع اللغة المترجمة إليها ,.وأيضا ضرورة تخليصه من ما يسمى خصائص لغوية في اللغة المترجمة عنها ؟وبذلك يصبح النص نصا بلغة ثالثة تأخذ الأنسب له في اللغتين المترجم عنها والمترجم إليها, فلا يسأل بعدها عن شروط شكلية مثل الوزن والقافية والجناس وإن كانت جمالية لأنها خصوصيات لغوية لا تنفع معها الترجمة.
تنوعت النصوص المترجمة من ملكة بريطانيا إليزابيت الأولى ووليم وردزورث إلى كفافيس في اليونان وغيرهم من كل دول العالم وذلك عبر وجبة غنية جدا بالفيتامينات الشعرية نستطيع القول بعدها : إن الشعر لغة عالمية بأزهار متعددة .
ونختار من تلك الترجمات ل مالكوم إكس (1925- 1965) أمريكا . وهو زعيم أسود لحركة إسلامية للسود في أمريكا , قتل وهو يخطب وما يلي خطبة له شبية بالشعر على قول المترجم؟!
أسود
يا عزيزي الرجل الأبيض/ هناك شيء يجب أن تعرفه: عندما ولدت كنت أسود اللون/ وحين أنمو سأبقى أسود / وتحت الشمس أظل أسود/ وعندما يعتريني البرد أبقى أسود/ وحين أكون خائفا أظل أسود/ وفي حالة المرض أبقى أسود/ وعندما أموت سأكون أسود.
****
أما أنتم أيها البيض/ عندما تولدتم كان لونكم ورديا/ عندما تكبرون يكون لونكم أبيض/ وتحت الشمس يكون لونكم أحمر/ وعندما يعتريكم البرد يكون لونكم أزرق/ وتصيرون صفر اللون عند الخوف/ وخضر اللون عند المرض/ وعند الموت يكون لونكم مغبرا/ ثم بعد كل ذلك تسموني " ملونا".
"لكي ترسم صورة طائر وقصائد أخرى من الشرق والغرب" ترجمة د. شهاب غانم صادر عن دار الصدى / دبي وتوزع مجانا مع مجلة دبي الثقافية لعام 2010
عن جريدة الثورة
باسم سليمان
[email protected]
08-أيار-2021
29-كانون الأول-2018 | |
02-حزيران-2018 | |
17-آذار-2018 | |
23-كانون الأول-2014 | |
04-آذار-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |