على طول الطريق الممتدة من دمشق إلى حمص لم يتوقف الركاب لثانية عن الصراخ إلى السائق بتخفيف سرعته الزائدة التي تجاوزت الـ 120 دون أن تجدي توسلاتهم ..
لا أحد يعلم كيف هدأ هدير المحرك .. كل ما يعلمه الركاب أنهم نجوا من موت محقق ..وأنهم قضوا ساعتين من الوقت كما الساعة التي تسبق القيامة ..
دهشة علت وجوه الركاب بعد أن أبطل السبب مفعول العجب وأي عجب هذاالذي يدعوك إلى الضحك ممزوجا بكثير من الحزن ..
عجب يدفعك للضحك ..عندما تفكر بملكية أرواح بشر يتحكم بها سائق يضع قدمه على الفرام فلا يعرف كيف يرفعها ..فإما يبقيك على قيد الحياة بتوفيق من الله أو يرسلك مبكرا إلى الآخرة بخيار رجل مشلول لم يترك له زمنه من خيارات ..
عجب يشعرك بالحزن..عندما تنظر في عيونه فترى باب بيته ينفتح على رزمة أولاد مكورين محشورين ..ليكتمل بقية المشهد في أذهاننا دون أن يقدر لبقية الصورة الممزقة أن تكتمل ..
شيء بداخلنا ينسحب منسلّا متجرَدا من مشاعرنا..بما يتجاوز المضحك المبكي لنقف بإجلال خاشعين أمام واقعنا ونفكر للحظة ..ما الذي أوصلنا إلى هنا؟
في الجواب ما يفوق السؤال تساؤلا ..
كم مشلولا يسكن بيننا ..كم معاقا يتحكم برقابنا ..دون أن نقصد الإساءة لهذا الرجل الذي جنب نفسه مذلة السؤال ..فكان مشلول الجسد دون أن يمس عقله وروحه شلل ..
في الاستعارة إشارة إلى آخرين ..آخرين يعيشون بيننا لكنهم لا يعيشون يمتلكون العقل لكنهم لا يفقهون ..
أناس كما الديك مغرورين يظنون أن الشمس لم تشرق إلا لتسمع أصواتهم
كما القبر.. مآزق لم يتاتَى لنا يوما أمل بالخروج منه
كما المتشائم إن خيرته بين شرّين يختار الشرّين حتما ..لأن تفكيره المنغلق لا يمكن أن يفتح له أفاقا توصله السعادة ..
قد نسلّم أنفسنا ..لرجل معاق كلّيا بما لا يتيح لجفن عينه أن يرف ..إذا ما اكتشفنا أن من بين هؤلاء جميعا معاق واحد : يستطيع أن يرى العود الموجود في عين الناس دون أن ينسى الوتد الذي بعينه..عندها فقط سنشعر بالراحة ونقول :
سامحونا ..كنا مخطئين ..
تابع رحلتك أيها السائق ..ستصل حتما ..لأنك مشلول الجسد معافى الروح والقلب
هل منكم من يتذكر ؟
ثمة سيدة من هذا الزمن تلبس الكعب العالي أنّبت طفلة معاقة لأنها لم تقف احتراما لها .. فهل بعد هذا الشلل من شلل ؟
×××××××××

نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر.
ألف