قصة قصيرة / الصدمة
خاص ألف
2010-07-28
رؤية المشوه أعطاها دائما شعورا غريبا بالقوة التي لا تحتمل ..لم تكن وقفت يوما أمام المرآة ..لم يخطر في بالها يوما أن تتحسس وجهها أمام المرآة لتعرف ما لون عيونها.. أهي بنية أم زرقاء.. لون شعرها.. أشقر.. أسود أم كستنائي..
لم يخطر لها يوما وقد اكتملت أنوثتها أن تتعرى أمام نفسها لترى إثارة وشهوة الجسد الأولى ..
كل شيء في غرفتها بدا مكتملا ..لكنها فجأة أدركت أن الأهم ينقصها ..لقد صفعت وجهها مرات ومرات حتى تورم خدها ..كيف لم أنتبه طوال عشرين عاما ..أن أحدا لم يضع لي مرآة في غرفتي.. إن رغباتي تشتعل بانتظار من يطفأها .. أفكاري أصيبت بنوع من الهيستيريا ..كيف تحضر في غرفتي خزانة الملابس.. الأحذية ..الألعاب الكتب ..الموسيقا ..الورود ..الصور .. أدوات التبرج والمكياج وتغيب عني المرآة..
ثمة شيء يدعو للضحك .. كيف وضعوا لي أدوات التبرج والمكياج ونسوا أن يضعوا المرآة ..كيف لي أن أنسق لون فستاني مع حذائي وأضع لون المكياج المناسب دون أن أرى نفسي ..كيف كنت أفعل هذا طيلة السنوات السابقة ..كيف لم أنتبه ؟
مع نقص عقل واكتمال جنون ..بدأت راحيل تفكر ..إما أن عائلتي أصابها جنون لا يوزايه جنون أو أنني أنا المعتوهة التي لم تنتبه إلى هذا الفراغ الفظيع الذي لا يملؤه إلا جواب مقنع عن سؤال من نوع (أحد ما غيبني عن نفسي وذاتي ..لماذا ؟)
شيء مجهول أسرّ لي بما يشبه الوحي الإلهي أن ثمة علاقة تجمع ما بين حبي لوجه الفتاة المشوه .. جمع الأوراق الممزقة ..وغياب المرآة عن عالمي الصغير..
أغمضت راحيل عينيها وكما لو أن الواقعة حدثت بالأمس..عادت راحيل في ذاكرتها إلى أيام طفولتها وكان عمرها ثلاث سنوات ،يوم حملها شقيقها تموز (الإنسان المجبول من صفات الآلهة) كما تحب أن تناديه..كان يداعبها ويضحك معها ثم يبكي يعود ليضحك ثم يبكي ..لم يكن مجرد مشهد مؤدى ببراعة ..فالمشهد تكرر مرات ومرات..دون أن تعلم سر هذه الغرائبية في التصرفات.. فالأمر كله لا يتجاوز مداعبة طفلة ..لما كل هذه التراجيديا الممزوجه بالكوميديا وكأننا نستدر عطف جمهور على مسرحية حكم عليها بالفشل ولما تبدأ بعد .
إذا : ماذا لو أحضرت مرآة ونظرت إليها وكنت فعلا مشوهة ..كيف سأعود لأتقلم مع حياتي ،كيف سأعيش و ها أنذا أخلق للمرة الثانية مشوهة .. مرة عندما ولدت وكنت الصدمة دون أن أعلم .. ومرة عندما حجبوا عني نفسي وصار علي أنا أن أدرك صدمتي ..
لن يكتفي تشوهي فيما لو بات حقيقة بالتذمر ..ثم القبول بالأمر الواقع ..سأكفر ،سأقف مواجهة أمام الله لأقول ..كان حري بمن أرسلنا إما أن يترفق بنا أو لا يرسلنا إلى حياة أناسها لا يعرفون معنى الامتحان ..لا يعرفون أن للعيب قيمة وللتشوه قيمة وللنقص قيمة ..لا يدركون أن اكتمال الشي بنقصانه ..لا يدركون معنى العيب خارج إطار (ذنب) ارتكبه صاحبه في جيله السابق وهو اليوم يعيش نتيجة أعماله السيئة .
إنه ذنب أمي وليس ذنبي..ماكان حري بها أن تعبث بأغراض وأسرار والدي.. عثرت أمي على ديانة أبي المحرمة ومعها عثرت على جنونها الذي كانت تنتظره لتتحرر من قيود هؤلاء الناس البلهاء الذين يستخفون بالمرأة ذلك المخلوق المجبول من رقة وأنوثة تاهت بين عقول منحها الله لأناس لم يشأ لها أن تكتمل ..فكانت المرأة بنظرهم نصف عقل بلسان لا يكتم السر لذلك وجب وضعها على الرف بانتظار ثورة تغير مجرى التاريخ لتغير معها نظرة الدونية التي تغلف حياة الأنثى .
عثرت أمي على جنونها وحلقت خارج القضبان ..لتعود وتسجنني السجن الأقسى سأكون حبيسة هؤلاء الناس مرة أخرى.. والأهم سأكون حبيسة نفسي ..سيكون ألمي لي وحدي ..لن يكون لي شريك يتغزل بسحر العيون العسلية ..جمال الشعر الذهبي ،لن يشتهي أحد قبلة من شفاه قرمزية ..
هل أحضر مرآة إلى غرفتي اكتشف صدمتي أم أبقى مغيبة عن نفسي ؟ يتبع
××××××××××
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر ــ ألف
08-أيار-2021
09-تموز-2011 | |
05-شباط-2011 | |
28-كانون الأول-2010 | |
10-تشرين الأول-2010 | |
14-آب-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |