المثقـــــــف المهـــاجــــر
2010-07-30
مواطن عربي ضاقت عليه الأنفاس في وطنه الحبيب أيام حكم صدام حسين، فحمل وطنه هذا في قلبه، وحسرته في صدره، ومنامته في حقيبته قاصداً بلاد الله الواسعة. فحطت به الرياح في قطر أوربي صغير اسمه سويسرا.
وفي هذا البلد المختلف عن بلده في اللغة والدين والتقاليد، عاهد الرجل الله ونفسه أن يهتم بشؤونه فقط. ويدير باله على حاله، ويبتعد عن المشكلات. والمشكلات حسب اعتقاده وما تربّى عليه في وطنه هي السياسة. ومن المعروف عن البلدان التي تتشاءم من الحرية، أنها ترى الشغل أو الحكي بالسياسة هي مشكلة المشكلات التي تسبب لصاحبها أمراضاً كالشقيقة وخفقان القلب وضيق الصدر وتوّرم أسفل القدمين وسواها من الأمراض غير المعدية.
مشكلة صاحبنا هذا أنه يرتكب الشعر، ويعاقر الثقافة. وحتى الآن لم يتوصل الفقهاء إلى الإجابة عن السؤال المحير هل إن الثقافة (تتحركش) بالسياسة، أم إن السياسة تدسّ أنفها بالثقافة؟ وقد فقع في يوم من الأيام (غوبلز) التصريح التالي (ما إن أسمع بكلمة ثقافة حتى أضع يدي على مسدسي فوراً). ومن المعروف أيضاً أن البلدان ذات الأنظمة التي تحمي شعبها من وباء الحرية، فيها الكثير أو القليل من المثقفين الأوادم، وهؤلاء يُطلق عليهم مصطلح (مثقفو السلطة). غير أن واحدهم تحمل يده القلم، واليد الثانية يضعها على قلبه، لأنه لا يعرف متى يقع في المحظور ويتم إرساله إلى دورة تدريبية على يد المحققين الذين يتعاملون مع من يقع بحوزتهم بشتى وسائل الإقناع التي غالباً ما تأتي بنتائج صالحة لمثل هؤلاء المثقفين الذين لا يحتاج معظمهم إلا إلى رصرصة بعض البراغي ليعود كما كان مثل السيارة الخالية العلام.
أما حال المثقفين (السادة) دون أية منكهات، ممن يعملون في السياسة، فإن بعضهم ممن يحمل رأساً مختوماً بالشمع الأحمر، أي هو مقطوع منه الأمل، فهذا لا دواء له وحتى على المدى الطويل. فيتختخ في السجن إلى أن يضيقوا ذرعاً به فيقولون له حلَّ عن سمانا. ويراقبونه من بعيد لبعيد. وقد يواكبه الحظ فيحصل على لقب مناضل. وربما في هزة أرضية تصيب بلده، يصبح حاكماً. وهنا أمامه طريقان لا ثالث لهما فإما أن يسير في الخط الدكتاتوري الذي هيأ له السجن، ثم فرصة الحكم. أو أن يتعظ من تجارب غيره السابقة فيُحلّ الديمقراطية في البلاد كما حصل مع نيسلون مانديلا.
أعود إلى صاحبنا المثقف الذي لاذ بالفرار من وطنه الحبيب المشهور بإنتاج البلح والتمر إلى البلد المشهور بإنتاج الساعات. ومع أنه كما أسلفنا قد عاهد نفسه بأن يكون (آدمياً) ويشيل الثقافة من رأسه، إلا أنه بعد فترة لعبت هذه الثقافة بعبِّه. فتقدم بمعروض إلى الجهات المعنية بعد أن لعب بعقله بعض الهاربين أمثاله. وكان المعروض الذي تقدم به هو السماح له بإنشاء مركز أطلق عليه اسم المركز الثقافي العربي السويسري. وذكر في نهاية المعروض ما أعتقد أنه يدخل الاطمئنان إلى قلب السلطات السويسرية في أن هذا المركز لن يعمل ولن يتدخل أو يحكي بالسياسة.
بعد فترة جاء الرد الذي يحمل مجموعة من البنود التي لا تحمل الموافقة ولا الرفض. وأن هذه الجهة الموما إليها قد استعانت بواحد من الخبراء ليمحص في القوانين حول هذا الموضوع. ولم يعثر على أية مادة تشير إلى أن موضوعاً كهذا يحتاج إلى موافقة أو إذن مسبق. ولذا فإن صاحب الطلب يُغرِّم بمبلغ قدره ثمانين فرنكاً سويسرياً. وهو المبلغ الذي استحقه الخبير نتيجة تمحيصه تلك القوانين. كما أنهم يلفتون نظره إلى أنه بإمكانه التقدم إلى جهة أعطوه اسمها للحصول على مساهمة مالية تقدر بأربعة آلاف فرنك سويسري تقدم في العادة للأنشطة المشابهة. أما تعهده بعدم الشغل بالسياسة، فهذا الأمر يخصه وحده، ولا شأن لهم به سواء اشتغل بها أم لم يشتغل. فالمركز مركزه وهو حرّ به.
ربما يحق لنا أن نندهش ممن يندهش من أن بلداً مثل سويسرا يعيش في عصر وزمن مختلف تمام الاختلاف، وبعيداً جداً عن العصر والزمن الذي تعيش فيه بلدان العرب وبعض بلدان العالم الثالث، مع أن التقويم موحد ويشير إلى أن كل سكان الكرة الأرضية بلا استثناء قد دخلوا القرن الحادي والعشرين.
عن جريدة النور
08-أيار-2021
29-شباط-2020 | |
01-شباط-2020 | |
14-كانون الأول-2019 | |
27-نيسان-2019 | |
23-آذار-2019 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |