Alef Logo
يوميات
              

الكتابة : إغراء الجسد وانتفاضة الساكن

خيرة بغاديد

خاص ألف

2010-09-19

تستدرجُ المبدعةُ الجميلة " فاديا عيسى قراجه" في دعوتها" إليكن" المنشورة بموقع أصوات الشمال ليوم ٍ واحد ٍ الكاتبات إلى خلقِ حالاتٍ أخرى مغايرة لكتاباتهن، حالاتٍ أكثر إبداعية وإنتاجيّة للبوحِ الذي قد يعتبرهُ البعض تمرّداً واختراقاً لعتباتٍ فاصلةٍ بين القولِ واللاقول، بين الالتزامِ بحالةٍ واحدةٍ تحدّد نقاطَ الكتابة، ونمطيّةَ معيّنةَ لها،( تجاوز العادي والسائد والمألوف)، واللالتزام تدعوهن إلى استنطاق وإخراج الكبت الذي يخنق دواخلهن وذواتهن، أن تتعرّى الواحدة ُمنهنّ أمام الورقِ وتكشف اللامرئي، لينتفضَ الساكنُ فيها، ولتكون متمرّدةً على واقعها، وعلى كلّ القيودِ التي تخنقها، فتعبّر عن الجسدِ وتغازلُ أوجهَ الجمالِ ، وتغتالُ الروحَ المحتشمةَ وأوجهَ الحياءِ الذي يعتريها، ويحدّد كتاباتها أمام الرقيب.
دعوة فاديا الكاتبات إلى خلقِ فرصِ التجديدِ والتعبيرِ الأكثر حرّية وانعتاقاً جعلتني أتساءل :
ـ ما الكتابةُ ؟ وما أوجهها ؟ أو ماذا نكتبُ؟ وما حدود كتاباتنا ؟
ـ كيف نولّد الاستثناء والدهشة من كتاباتنا، وكيف نكون مبدعات ومبدعين فعلاً؟
ـ هل الكتابةُ في تجاوزِ السائدِ ؟ أم في الالتزامِ الذي تتنمّط كتاباتنا داخله ؟
تقول فاديا: " فالمرأةُ في مجتمعنا تعاني من سرطانٍ لا دواءَ له، اسمُه الكبتُ الجنسي .. أريدُ أن أسألَ من هي الكاتبة التي تستطيع تناول هذا الموضوع بكلِّ تجلياتهِ وعريهِ دون أن تجالسَ على طاولتها الرقيب..ونظرة المجتمع .."
الأكيد أن الكتابةَ بوحُ اللحظةِ التي تقول أشياءها وصدقَها المطلق، وهي لا تحدّد نطاقها وعتباتها، الكتابة تَحَاْورٌ مع الذاتِ والآخرِ، و استفزازٌ للساكنِ والمتحوّلِ في الآن نفسهِ، وجماليةٌ إبداعيّةٌ تسمو إلى مقاماتِ التغييرِ واختراقِ فضاءاتِ البوحِ، وهي صدقٌ والتزامٌ بالقضايا الإنسانيةِ، لتبقى البهاءَ الذي نتطلّع إليهِ وإلى مكاشفته والتوحّد فيه.
قد تقولُ الأختُ فاديا، أليس التعبيرُ عن حالةِ الكبتِ الجنسي تقودنا لأن نكون أكثرَ إنسانيةً، وشعوراً بذواتنا، وبما يمنح قيمةً لها ؟
أجيبُ .. ليس الإبداعُ في ما لم نقله، وما لم نستطع قوله فقط، إنّما قد يكون في ما نقوله وما قلناه، لكن بطريقةٍ مغايرةٍ تقلبُ العادي إلى اللاعادي، والمستحيل إلى ممكنٍ، وتخلقُ الدهشةَ لتكون الكتابة الفضاء الذي يكبرُ ويتّسعُ بصدقنا وبوفائنا لإنسانيتنا، ثم هل كل ما يُكْبَتُ يكون قابلاً لأن يتعرّى ؟.
تبقى دعوةً مجنونةً على قولها، والصدق أنّ كتاباتنا ظلّت محتشمةً ( تكرس للعادي )، وليس ذلك لدى المرأة المبدعة فقط، وإنّما الرجلُ المبدعُ أيضاً يعيش كبْتَه فلا يقول أشياءه بكل تعريّةٍ، فثمة حدودٌ أو نقاطٌ يظلّ الواحدُ يحترمها، وليس البقاء في نطاقها ينفي عنها الإبداعيةَ وفنيةَ الكتابةِ التي تبقى هاجساً وأملاً يتطلّع إليه كلُّ مبدعٍ ومبدعةٍ، نحو حداثةٍ وتغييرٍ يتجاوزُ حالاتِ اللغوِ، والبوحِ اللامؤسسِ للجمالِ، كما لا ننفي أنّ هناك كتاباتٍ لها تميّزها ولها قيمتها الإبداعيةُ بجنسيها
( المرأة والرجل ).
الكتابةُ وعيُّ الذاتِ لذاتها، وللآخرِ الذي يشكل حالةً مغايرةً أو مشابهةً لها؛ الكتابةُ انتفاضةُ الساكنِ فينا، في كلِّ الحالاتِ التي تختلجنا من أفراحٍ ومن أحلامٍ منتظرةٍ، وخيبات، فنحاول أن نخرجها بشكلٍ ما إلى الوجودِ لتتّخذَ طابعاً خاصاً وجنساً أدبيّاً معيّناً.
الكتابةُ الإغراءُ، النشوةُ العارمةُ واللذةُ الخالصةُ التي ترنو إليها الذاتُ في لحظاتِ الإنفرادِ والتوحّد والغوص في سراديبِ اللغة ِالإيحاءِ، وهمسِ القصيِد الذي يشعلُ حرقةَ البوحِ والقول.
عندما نكتبُ فإنّنا نتهيّأ إلى سفرٍ يأخذنا حيث أعماقنا وحقائقنا، حيث التأمّلُ والدهشةُ الجارفةُ إلى فرحٍ منتظرٍ، وحُلمٍ يحبو ويكبرُ في دواخلنا بكلِّ عنفوانٍ كلّما انبجسَ ذلك الطيفُ المعانقُ لذواتنا والذي يسمى ( إلهاما ً ).
عندما نكتبُ نخلقُ استثناءً وعالماً خاصاً مطوّقاً بأحلامنا، وبأفراحنا، وبأشواقنا لتلك اللذةِ التي تظلّ هاجساً يطاردنا لندوّن اللحظةَ الاستثنائية التي تؤرخ لضروبِ العطاءِ ولبهاءاتِ اللغةِ ونبضِ القصيد.
عندما نكتب فإنّنا نخلقُ فضاءً لا يتّسع إلاّ لنا ولآمالنا المنتظرة، فلا نرى إلاّ ما يشبهنا، وما يحتوينا ونحتويه في تلك اللحظة، وفي ذلك الحضور مع ما يسكننا ويختلجنا من آهاتِ وحكايا الأمكنةِ والأزمنةِ التي تبوحُ بأسرارها لنا، ونحن نحاولُ أن نكاشفها لتتعرّى أمامنا أكثر، وتتّضح أمام مرايانا، في طقوسٍ خاصةٍ لكلِّ عاشقٍ لهذه اللغة( الإغراء) التي تشدّه إليها وتمتلكه حيثما شاءت، في مواعيد استثنائية، فقد يكتبُ الواحدُ منّا حين يعتريه الحزنُ والضياعُ، وهو يشعرُ بغربةٍ قاتلة ٍ، فلا يؤنسه غيرُ البوحِ المعلنِ على الورقِ، أو قد يكتبُ في لحظةِ فرحٍ تؤسّسُ لمجيئها الدافئ.
لكن، انتبهوا، ثمّة حقائقٌ تبقى عالقةً ، ساكنةً في أعماقنا، حقائقُ تخشى الضوءَ والمكاشفةَ فلا ندوّن إلاّ القليل منها، وقد نزيّفها وكأنّنا في مواجهةٍ تكتبُ ضدنا إذا ما عرّيناها وفضحنا ملامحها التي ترفضُ الظهورَ، لكن لا يعني ذلك أنّنا نعيشُ كبتاً جنسيّاً، لأنّنا في كلّ الحالاتِ واعون بذاتنا وبانسانتنا، والكتابةُ وليدةُ اللحظةِ التي تكتبنا، وهي اختزالٌ لتجاربَ ذاتيةٍ وحالاتٍ نفسيّةٍ، اجتماعيّةٍ، حياتيّةٍ...والجمالُ الذي يبقى هاجساً عالقاً بين عالمِ الذاتِ وعالمِ الإغراءِ والاستفزاز و...؟!




تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

شذرات

21-نيسان-2014

قراءة في قصة تراثيَّة : الناسك والجرة

28-تشرين الأول-2013

تجلّيات الوطن في ديوان " هؤلاء نحن " للشاعر صادق العلي

13-تشرين الأول-2013

أنا .. وأنتَ ..

09-شباط-2013

مصافحة الرئيس

17-تموز-2012

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow