Alef Logo
يوميات
              

مصافحة الرئيس

خيرة بغاديد

خاص ألف

2012-07-17

لم أستطع عبور ذلك الشارع الممتدّ بين الزحام ، والذي يعجُّ بالواقفين والجالسين على قارعة الطريق ، المنتظرين إطلالة ذلك الزائر غير العاديِّ بين الحين والحين ، والحاملين للافتاتٍ عليها صوره ، في فرحةٍ واحتفاليةٍ خاصةٍ تليقُ بمقامِه الكريمِ .

زحمةٌ خانقةٌ ، وأقدامٌ محصورةُ الخطواتِ ، محدّدةُ العبورِ بين حواجز تحول بينها وبين الوافد العزيز، وأصواتٌ صاخبةٌ تردِّدُ شعاراتٍ وكلماتِ ترحيبٍ تخترقُ المكانَ ، وتعلو في فضاءٍ خاصٍ يتّسع بهجةَ وأملا بلقائه المنتظر ورؤيته عن قرب .
زحمة ٌ لا يمكن اختراقها ، تحنق الأنفاس ، تجعلني بين تلك الفوضى أحاول عبثا أن أتخطَّى كلَّ ما يقف أمامي من عتباتٍ خانقة وسط ذلك الحشد الكبير والفظيع ، الذي وضعني في ذلك الموقف ، وعند نقطة معيّنة ، في مكان فرض عليَّ سلطته ، وحاصرني بقيوده ، حتىّ تمكّن مني ، لأبقى شاهدة على حادثة اسثتنائية ممتعة ،وأتقاسم مع المنتظرين نشوةَ الانتظارِ ، خاصة أن الأجواءَ تمارسُ رهبتها وتدعو إلى مواكبة الحدث الجميل بكلِّ تفاصيلِه .
صادفت وقتها زميلتي “ فاطمة ”واضعة على رأسها قبّعةَ تعلو خمارها الأبيض ، عليها ألوان علم ” الجزائر “ و هي تحمل لافتة خشبيَّة عليها أيقونة ذلك الكريم .
” فاطمة “ التي استُغِلَّت برغبتها أو عن جهل منها ، من إحدى الجهاتِ التي تدَّعي رعاية حقوق المرأة والدفاع عنها ، وكُلِّفت بالإشهارِ والصراخِ والهتافِ وحمل الصور ، والمشاركة في هذه الاحتفالية المقامة على شرف الزائر ، مع هؤلاء المواطنين الذين يتفاوتون درجاتٍ ، ولو أنّ أغلبهم من بؤساء المدينة ، ومن الفلاحين الذين لا زالوا يؤمنون بمبادئ الاشتراكية التي خلَّفها زمنُ السبعينيات ، ولا زالوا أيضا أوفياء لجبهة التحرير الوطني .
بقيت محصورة الخطى أنتظر مثلهم إطلالته المفاجئة ، بل اقتنعت أن أبقى بينهم لمشاهدة الحدث المميّز وأراه للمرة الثالثة أو الرابعة أثناء زياراته الرسمية وحملاته الانتخابية .


في موكب خاص يخترق ذلك الشارع المتربّع في قلب المدينة الرمادية “ سعيدة ” ، يطلع ذلك القادم الكريم صاحب القامة القصيرة والوجه المشرق الذي ترتسم عليه ابتسامة دافئة ، وعينان تسبحان في الزرقة والبهاء اللافت للانتباه ، يطلع وسط هُتافات وزغاريد نسوة واقفات كالوتد الصلب وصيحات تعلو لتقول :
بوتفليقة ، بوتفليقة ....
إنّه الرئيس يلوِّحُ بيده ترحيبًا بمستقبليه الذين توافدوا شعثا غبرا من أرجاء المدينة وقُراها ، يتّجه نحو الجهة اليسرى المقابلة حيث أقف مع الواقفين الحالمين برؤيته ، يمدُّ يدَهُ لمصافحة بعض الأيدي التي تتشابك ، وتضرب بعضها بعضا .. ثم ، وفي لمحة بصر يتقدَّم نحو الجهة اليمنى وتتشابك أيادٍ أخرى من جديد بكلّ عنف وقوة ، لتحظى بملامسة يده ،أو تفشل في المحاولة .
ومرة أخرى أجدني وسط تلك الفوضى أمدُّ يدي إليه ، ويكتب لي الحظُ في نيل مبتغاي ، إلاّ أنّ يدا خلفي توجّهُ لي لكمة ًعنيفة ً على الوجه، وهي تحاول أن تخترقَ ذلك الحشد وتتجاوزني لتلامس كغيرها يد الرئيس، رغم الحواجز التي تواجهها وتواجه الكلّ معاً.
ألتفتُّ خلفي ويدي على خدي تخفّف الوجع ، لأصطدم بصاحب اليد الموجِعة التي لكمتني ، أو بذلك الملتحي الذي تظهر عليه علاماتُ الوقار، بائع الخضار المتجوّل بين شوارع المدينة بعربته الصغيرة ،والذي عرفته فيمابعد ، ولا يمكن أن أنساه لأنّه ترك بصمته على وجهي ، أو بصمة يده الخشنة .
ينصرف وهو يقبّل يديه ويشكر الله ، ويحمده على هذه النعمة المباركة ( مصافحة الرئيس ) ، و ينصرف الجميع ( المحظوظون وغير المحظوظين ) وأنصرف بدوري ، وأنا لا أعرف ما الذي حدث في لحظات معدودة ، سوى تلك اللّكمة التي أخذتها ثمنا لهذا اللقاء المفاجئ ، ولهذا الانتظار .



خيرة بغاديد - الجزائر -

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

شذرات

21-نيسان-2014

قراءة في قصة تراثيَّة : الناسك والجرة

28-تشرين الأول-2013

تجلّيات الوطن في ديوان " هؤلاء نحن " للشاعر صادق العلي

13-تشرين الأول-2013

أنا .. وأنتَ ..

09-شباط-2013

مصافحة الرئيس

17-تموز-2012

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow