هل غدا محمد أركون كافرا بعد وفاته ؟
خاص ألف
2010-09-30
من ينكر أن الأجانب توغلوا بمهارة في علومـ ( نا ) حتى صاروا أعرف منا في شؤون دينـ ( نا وتفاصيل تاريخنا بل في مجمل ثقافتنا، وعلى خلافنا فإن نزعتهم العدائية دفعتهم إلى التنقيب عن مرجعيات أفكارنا ومذاهب فقهـ ( نا ) وأصول معتقداتـ ( نا ) التي جعلت الفاتحين قبلنا أقوياء واستطاعوا بإقدامهم أن يفتحوا معظم العالم، وأن يشملوا بعلومهم شتى نواحي المعمورة.
من سوء التقدير أن نضع شخصية بمثل البروفيسور محمد أركون في خانة العداء، ونصب عليها وابل بغضائنا وكراهيتنا، ونصورها في أذهان الطلبة أنها ذلك الذئب المحتال المختبئ، وبذلك نكبح في نفوسهم مبادرة تناول الفائدة و شجاعة العمل بها، ثم نغرس في أرواحهم الاستهزاء بكل الإضافات التي يطرحها الآخر، ونعودهم الغياب عن الحوار والمناقشة، أو بالمعنى الصريح نقول لهم إنه كافر يحارب بعباءة السلف فلا تأتمنوه، ونكرس بهذا الاستعداد الأبدي للهزيمة دون إعدادهم لرسم بوادر الفهم ومراجعة المكتسبات التاريخية واستثمارها بدل الاحتفاظ بها مجمدة في محافظ بالية جعلتنا مدعاة للسخرية، ثم نناهض الآخر بحجة الذود وهو من فتحها ونفض التراب عنها وحققها وقاربها بالواقع وقربها من دوائر الفعل.
العلوم ليست حكرا على العربي دون الأعجمي ولا العكس، وكذلك هو الشأن بالنسبة للإيمان: ( وما أرسلناك للناس إلا كافة )، فهل احتكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما أتمنه الله عليه من وحي؟، وهل طرد من بادر بخدمة الدين الإسلامي من غير العرب؟ فلماذا العرب يعتقدون أنهم حماة للدين وملاكا للعلوم وحدهم دون المسلمين من الأجناس الأخرى؟ على العرب أن يتواروا قليلا وأن يفسحوا المجال لمبادرة التعاون والإثراء، فربما هؤلاء أشد في الدفاع عن مقومات الأمة الإسلامية والأمة لا نعني بها العرب وحدهم كما تطرحه أمية الفهم في القراءة التقليدية المألوفة، علينا أن نتقبل ذلك دون أية عقدة، هذه قمة الحضارة الإسلامية التي طرح معلم الإنسانية الرسول صلى الله عليه وسلم حينما استقرت الدعوة وطلب من الكافرين من غير العرب أن يعلموا عشرة من أبناء المسلمين، فالعلوم والثقافات من المفروض أن تكون بعيدة عن العصبية والقومية والعشائرية والقبلية، ثم ماذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة الذين استأذنوه بقتل المنافقين في صفوف المسلين؟ قـال لـهم : ( دعوهم حتى لا يقول الكفار أن محمد يقتل أصحابه )، وقال محمد في إشارة إلى نفسه ولم يقل الرسول، ومع ذلك نعتهم بـ أصحابه.
إن الشعور بملكية الدين والتاريخ شعور ضاعف أعداء العرب المسلمين، إلى متى تقبع مهمتنا في تعداد المستشرقين ورصد خرائط تواجدهم، بدل الاجتماع بعهم ومناقشتهم والاستفادة من تجاربهم، عوض الخوف والتخويف منهم؟ هل تنقصنا بمثل ما يتوفر لديهم من جرأة وقناعات أخلاقية وعقائدية حتى يقتحمون ساحتنا للدراسة والاستنباط؟ وهل يسمون من يملك الجرأة لاختراق معارفهم بالمستشرق؟ لماذا لا نصطادهم بدلا من أن يصطادوننا فنستفيد من خبراتهم خيرا من يعثروا على مكتنزات علومنا بجهدهم وهم يضحكون علينا، أم أن علاقتنا بأصولنا رخوة وهشة، لماذا لم نشكك باستشراقية بلقاسم نايت بلقاسم وهو بمثل حماس محمد أركون في طرح إشكالية الفهم وضرورة تجاوز السطح، وإعادة قراءة المفردات، وإلغاء الشرح الموروث والتأويل الذي صار الكثير منه في حاجة إلى تصويب، وأهمية الفكرة التي نكاد نقول عنها بمثل ما قيل في الجاهلية: ( وجدنا آباءنا ) بها مقتنعون؟ أم هي بلاهة المقتنعين بالموروث من الشروح.
ليس دائما التلميذ الملتزم ذكيا، ولا بالضرورة أن يكون الحافظ واعيا ومفكرا، كما لم يكن التمرد عن المألوف كفرا، والتاريخ حافل بكثير من المتمردين الذين استفاد العالم من مؤلفاتهم وآرائهم، ولعل الرسول - صلى الله عليه وسلم – القدوة المثلى في التمرد فقد كان صادقا وأمينا في حين يتزعم عمُّه دولة الكذب والسرقة، ويترأس إمبراطورية الجهل، ثم جاليليو جاليلي الذي كلفه تمرده عن الكنيسة السجن والنفي وكاد يكلفه الإعدام.
لماذا نصف من ينقب عن تاريخنا وثقافتنا بالمستشرق في حين نصف من ينقب عن البترول والذهب بالمستثمر؟ ماذا لو أن أحاديث النبي – صلى الله عليه وسلم – لا تزال مبعثرة بين الأفواه في ثقافة شفوية، ثم أخذ زمام مبادرة جمعها مسلم من غير العرب؟ هل سيقال عنه أنه مستشرق؟ إذا صح ذلك فإن أبا هريرة والبخاري وغيرهم مستشرقون، ولا يصح العمل بما جمعوا من أحاديث! بل سيمتد هذا الفهم إلى خيرة المجاهدين من الصحابة، فماذا نقول – مثلا - عن صهيب الرومي بكل ما يحمل اسمعه من إحالات؟ وكنت شخصيا أقيم إلى جوار أحد المسلمين من أم عربية مسلمة ومن أب غير عربي وبشهادتي الرجل مسلم بأخلاق رفيعة، ومثقف ثقافة عربية وفرنسية، ويدافع عن الإسلام ويثور لأجله ضد المستهزئين من العوام، لكن بأم عيني رأيت الكثير من المسلمين يكنون له الكثير من العداء، أيظل الفهم سرمديا على أن كل غير عربي تكلم في التاريخ والدين الإسلامي يكون حتما مستشرقا يحتال ليُكفرنا ويخرجنا من الملة؟ ألا يمكن أن يكون سندا ودعامة للأمة الإسلامية خصوصا في خضم هذه المحن التي تعيشها الأمة وهذه المشاكل التي تتخبط فيها؟ التاريخ يحفظ بأنه كان الاحتفال بدخول شخصية غير عربية الإسلام عيارا أثقل من العربي، وكذلك الشخصية المنحرفة المشهورة بالكفر والمجون، لأن هذا الصنف دعامة قوية للكفر وللانحراف فإذا اسلم استُغلت شجاعته واستُثمر جبروته لأجل الخير والمنفعة، ومن جهة ثانية جلب أتباعه طالما هو رئيسهم، هذا السر الذي جعل الأشد في الجاهلية أشدا في الإسلام.
ماذا يفعل مثل هذه الشخصيات في وقتنا الحاضر؟ أم هو محتوم عليهم أن يسلموا مكتوفي الألسن ومشلولي الفكر؟ حرام أن نشوش على الإسلام بحجة الدفاع عليه والذود عن التاريخ وصيانة الموروث الثقافي.
08-أيار-2021
21-نيسان-2012 | |
25-آذار-2012 | |
31-كانون الأول-2010 | |
21-كانون الأول-2010 | |
04-كانون الأول-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |