بلاغ إلى السيد حبيب العادلي سأختارُ دينَ الحرامي
2010-09-30
أعتذرُ، بدايةً، عمّا بعنوان المقال من مجاز ومبالغة. والحقّ أن هذه العبارة لها ما يبررها في متن المقال. والحقُّ أيضًا أن تلك العبارة، بما تحمل من بلاغة رمزية ومبالغة مجازية، ليست من صياغتي، بل من صياغة مواطن مصريّ، ضربه الظلمُ والشعور بالعجز وقلّة الحيلة، فأخرجت منه المرارةُ تلك البلاغةَ التي أحسده عليها، وربما يحسده على صوغها الشعراءُ. رغم ما في العبارة من استفزاز، ربما يستشعره القارئ منذ الوهلة الأولى. لكنني أتمنى على القارئ أن يؤجل حكمَه حتى يُنهي المقال، ليكون حكمُه أكثر علميةً، وعدلا.
وصلتني هذه الصرخة من مواطن مصري اسمه: سامي يونان. أنقلها تقريبًا كما هي، لم أتدخل إلا في أقل القليل، ولم يعمل قلمي إلا في تعديل الصياغة والأسلوب؛ لأنني لم أُرِد أن أُفقدَ الرسالةَ طاقةَ القنوط المُرِّ والشعور بانعدام العدالة، تلك التي تملؤها بسبب المهزلة التي وراءها.
قبل أسبوعين، اتصل به الجيران في التاسعة صباحًا، وهو في عمله، ليخبروه بأنهم أمسكوا بلصٍّ يحاول سرقة منزله. وكانوا قد اتصلوا بشرطة النجدة في السابعة، ووعدت الشرطةُ بالحضور، ولم يأت أحد! ترك الرجلُ عمله وأسرع إلى بيته ليجد الجيران وسكّان الشارع وقد احتشدوا هناك. أخبروه أنهم سمعوا صراخ الزوجة ينبعث من شقتهم فأسرعوا، ليجدوها في حال انهيار تام. بينما اللص قد سقط من شباك الصالة في منور العمارة، أثناء محاولته الهرب بعدما اكتشفت الزوجة وجوده. من جديد، عاود الاتصال بالنجدة، ثم بشكاوى وزارة الداخلية. وليس قبل الثانية عشرة ظهرًا، حين وصل أمين شرطة، قام بالقبض على "السيد الحرامي".
فى قسم البوليس سأله الأمين: "ليه بتضربه؟" فأقسم الرجلُ أنه لم يفعل! فاستأنف الأمين: "عايزين تاخذوا حقكم، يبقى بالقانون بلاش ضرب!" فأعاد القسَمَ بأنه لم يضربه، بل سقط اللصُّ حين افتضح أمره. وشهد الجيران بأنهم شاهدوا اللصَّ وراقبوه لحظة محاولة الهروب وسقوطه في المنور، كل هذا قبل وصول الرجل من عمله.
وهنا، أطلق الأمين القنبلة المدوية. قال إنه مضطر إلى تحويل كلٍّ من السارق والمسروق إلى نيابة أمن الدولة؛ لأن الأول مسلم والثاني مسيحي! ثم أردف، بإيماءة العالم بطبائع الأمور: "ودي طبعا، فيها سين وجيم!"
- "والعمل؟"
- "نعمل محضر صُلح، وعدم تعرض منك ولا منه، ويا دار ما دخلك شر، وتروحوا لحال سبيلكم. وبعدين لازم تاخد الحرامي وتعالجه، لأنه ممكن يعمل لك محضر، وتقرير طبي، وشغلااااانة."
وبالفعل أخذ "المسروقُ" السارقَ" إلى صيدلية قريبة وعالج خدوشه التي تسبب فيها قفزه من شباك الشقة المنهوبة. ودفع "المُعتدَى عليه" مصاريفَ علاج "المعتدي"، ثم راضاه لكي يضمن عدم رفعه قضية تحرّش طائفي عليه!
وأُقفِلَ المحضر في ساعته وتاريخه، تحت رقم 18 ح، بتاريخ 23/8/2010.
لكن النكتة في الأمر، أن المحضر خرج بصياغة: "عدم تعرّض"، وليس: "سرقة"، بعدما اعتذر اللصُّ، ووعد بعدم محاولة سرقة هذا المسكن بالذات، في خُططه اللصوصية القادمة!
يحدثُ هذا في بلدنا العريق مصر، أول دولة في التاريخ سنّتِ القانون والتشاريع! يحدث ذلك بعد عشر سنوات من الألفية الثالثة، بين مواطنيْن: أحدهما "منهوبةٌ حقوقه"، وخائف، والثاني "ناهبُ حقوق" ومستقوي! الأول مجبورٌ بأقليّته، والثاني مَحْميٌّ بأكثريته، وبالمادة الثانية في الدستور!! يحدث في بلد يدين بالإسلام الذي حرّم اللهُ فيه الظلمَ على نفسه، لكي نتعلم، نحن العباد، ألا نتظالم فيما بيننا، كما ورد في حديثه القدسيّ: "يا عبادي، إني قد حرّمتُ الظلمَ علي نفسي، وجعلتُه بينكم مُحرَّمًا، فلا تظالموا."
قال لي الراسل في رسالته البائسة: في المرة القادمة سأختارُ أن أكونَ على دين الحرامي، كيلا تُسرق حقوق مواطنتي في وطني، على مرأى ومسمع من أسرتي وجيراني وأطفالي، والأكثر بؤسًا، تحت عيون رجال الأمن الذين يؤمّنون حياتي مقابل مواطنتي ومقابل ما أدفع من ضرائب تُقتصُّ مباشرة من راتبي.
وهنا أسألُ أولي الاختصاص: هل للجريمة دينٌ؟ وهل عدم تظالم العباد، كما أمرنا الله، يخصُّ عقيدةً دون أخرى؟
لكن الحكاية لم تنته.
في المساء سأل الأطفالُ أباهم: "هو ليه الحرامى متحبسش يا بابا؟"
وعجز الأبُ عن الإجابة. فسألني بدوره: "هو صحيح ليه الحرامي متحبسش يا أستاذة فاطمة؟"
وبدوري أعجزُ عن الإجابة، ومن ثَم أحوِّل ذلك السؤالَ المُلغز إلى وزير الداخلية، السيد حبيب العادلي: هو ليه الحرامي متحبسش يا سيادة الوزير؟"
08-أيار-2021
07-تشرين الأول-2017 | |
20-تموز-2014 | |
28-حزيران-2014 | |
18-حزيران-2014 | |
11-حزيران-2014 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |