Alef Logo
يوميات
              

أنيس منصور، حنانيك!

فاطمة ناعوت

2010-11-09

"أكبر دليل علي بلادة الإحساس‏:‏ الزواجُ الطويل- أحسن طريقة للتخلّص من حماتك أن تطلِّق ابنتَها‏- لونُ الحياة الزوجية مأخوذٌ من علم بلادنا‏:‏ في البداية بيضاءُ وبعد ذلك حمراءُ ثم سوداءُ علي طول- النميمةُ عند المرأة‏:‏ علاج- المرأةُ كالكرة‏:‏ في العشرين مثل كرة القدم يجري وراءها‏22‏ رجلاً،‏ في الثلاثين مثل كرة السلّة يطاردها عشرةُ رجال،‏ في الأربعين مثل كرة البيسبول يجري وراءها رجلٌ واحد‏،‏ في الخمسين مثل كرة التنس يرميها واحدٌ للآخر، وفي الستين مثل كرة الجولف ليس لها إلا حفرة في الأرض وبعد ذلك في انتظار عزرائيل‏!‏" ما قولكم فيما سبق من كلمات؟ ما تصنيفها أدبيًّا؟ هل تدخل في باب "الحكمة!"، أم "النكتة!" أم "السباب"؟ لا تتسرعوا بالحكم، لأن كاتبها قلمٌ له باعٌ طويل في دنيا الصحافة والكتابة!
اعتدتُ أن أقيّم أصدقائي، تبعًا لما يقولون عن زوجاتهم في غيابهن. وأذكرُ أن بداية صداقتي القوية بالشاعر المعروف أشرف عامر، انطلقت من لقائي الأول به مع أصدقاء من الوسط الثقافي، حينما مال عليّ وقال بحبٍّ وفخر حقيقيين: "عاوز أعرّفك بمراتي، ست جميلة أوي!" فأيقنتُ لحظتها أنه مثقفٌ حقيقي. بريءٌ من مرض المثقفين الأشهر: الازدواجية. أمام الميكروفونات، يقولون أرقى الكلام عن المرأة، وفي البيوت يقهرون زوجاتهم، وفي جلسات الأصدقاء تتحول الزوجاتُ إلى "البنبونة" التي يلوكها الجميعُ، وأولهم الزوج! صحيح أن زوجة أشرف عامر، السيدة أمل الشريف، ابنةَ المناضل اليساريّ الجميل إبراهيم الشريف، بالفعل امرأةٌ جميلة مثقفة نادرة الطراز، وهو لم يقلْ إلا الحقَّ بشأنها، لكن كثيرًَا من الرجال ممن وهبهم اللهُ زوجاتٍ رائعات، يبخلون بكلمة طيبة عنها. كأنما يظنّ "الرجل" أن "عنتريته" تعلو من كلامه السلبيّ عن زوجته أمام أصدقائه! غافلاً أنه بهذا يسقط من عيونهم، وإن أظهروا له غير ذلك.
ولا يكاد أسبوعٌ يمرُّ، دون أن تهاتفني صديقةٌ ممن ابتلاهن اللهُ بأزواج "أخفقوا" بامتياز في درس الجمال الأول: "احترام المرأة"؛ بينما هو المقياسُ الذي يقيس تحضُّرَ رجلٍ عن رجل، ومجتمع عن مجتمع.
عزيزي أنيس منصور، لأننا نحبّك، لا نريدك أن تكون من هؤلاء. فكلنا يعرف كم تحبُّ زوجتَك، ورأيناك في فرانكفورت قلقًا عليها في مرضها، أشدَّ القلق. تصرخ صديقتي: "قرأتِ أنيس منصور النهارده؟" ثم تقرأ عليّ ما افتتحتُ به مقالي من كلماتك "الصعبة"، مما لا أعرف إن كانت تُضحك، أم تُبكي، مثلما حِرتُ في تصنيفها أدبيًّا! يا سيدي، أولئك الراسبون في درس الجمال، إنما هم انتقائيّون عادة. ينتقون من كلامك ما يقمعون به نساءهم. تمامًا مثلما يتذكرون من القرآن والسُّنة: تعدد الزوجات وما ملكتِ الأيمان، وعقاب الزوجة بالضرب والهجر، وسجودها للزوج بعد الله (وهو بالمناسبة حديث مشكوك فيه)، ويتغافلون، عمدًا، عن الرفق بالقوارير، والقوامة والإنفاق على المرأة، وعدم الطاعة إلا بالحق! أولئك الانتقائيون يداومون على عمودك "المحقِّر" للمرأة، وإن زعمتَ أنكَ تمزح! فالمزاحُ في أمور شائكة يُعدّ تعبئةً وتحريضًا. وإن زاد المزاحُ وفاض تحوّل إلى عبث. أولئك الأزواج الفاشيون يستخدمون كلماتك "المرحة!" تلك، سياطًا يعذِّبون به زوجاتهم. ليس كل قرائك على درجة من الوعي تجعلهم يميزون المزاحَ من الجد، والحكمة من النكتة، وإن ميّزوا، بوسعهم أن يُلبسوا المزاحَ ثوبَ الجد، والنكتةَ ثوبَ الحكمة، ويصدقوا ما تقول، باعتباره قانونًا مقدسًا، ثم يُعتمون الدنيا في عيون زوجاتهم الصابرات الحزينات، وأيضًا المتواطئات على أنفسهن.

غاضباتٌ وغاضبون

أصدر الأستاذُ كتابَ: "غاضبون وغاضبات" قبل سنوات. ثم ظلّ "يصنعُ"، على مدى سنوات، العديدَ من "الغاضبات والغاضبين" من كتاباته السلبية حول المرأة.
وعلّمنا علماءُ النفس أننا لا نغضبُ إلا ممن نحب. أما مَن لا نحبُّ، فنحن حتى لا نكاد نراهم، وإنْ أتوا حماقاتٍ، فإننا لا نكاد ننتبه. فإنما هم خارج دائرة اهتمامنا، وخارج مخروط رؤيتنا. تلك حيلةٌ ذهنية يبتكرها العقلُ البشري لكي يضمنَ اتزانَنا النفسيّ. حيلةُ "الإقصاء" لمن لا نحبّ. لذلك، فإن عكسَ الحبِّ، ليس الكراهية، فالكراهيةُ لونٌ متطرّف من الحب لأنها تحمل عاطفةً، وإن كانت سلبية. عكسُ الحب، هو اللا مبالاة. الحياد. لهذا كان غضبُنا الجمعيّ من الأستاذ أنيس منصور. لأننا نحبه، وعلى يديه تعلّمنا أن نقرأ منذ طفولتنا. فالقاماتُ السامقة لا يجوز لها أن تزلّ. الخطأُ، بالنسبة للرمز الكبير، رفاهيةٌ وترفٌ لا يمتلكهما! لأن الناسَ يأخذون عنه، ويتناقلون كلامَه، فيشيع، حتى يصبحَ في حُكم العُرف. لهذا نحزن إن خرج قلم ذلك الرمز بما لا يتفق مع توقعاتنا منه. هذا القلمُ الذي كتب اثنين من أرقى ما في مكتبتنا العربية: "في صالون العقّاد، كانت لنا أيام"، و"200 يوم حول العالم"، هو القلمُ الذي أجبرني أن أكتبَ عنه هنا في زاويتي هذه بتاريخ 25/8/2008، عمودًا عنوانه: "عزيزي أنيس منصور، شكرا!"، أهنئه فيه بعيد ميلاده، وأُرجِع إليه الفضلَ في شغفي المبكّر بالقراءة والمعرفة، وهو ذاته القلمُ الذي نَضِنُّ به أن يهين المرأةَ، ولو من باب الدعابة!
ثمة غاضباتٌ كثيراتٌ من استهانة الأستاذ بالمرأة في عمود "مواقف" بالأهرام، خاصةً يوم الجمعة، حين يجتمع شملُ الأسرة. وثمة غاضبون كثيرون أيضًا. أولئك الرجال الذين يضعون المرأة في مكانة رفيعة. الغاضبون مائة، أولهم أسامة أبو حسين، خالي، الذي كان حبُّه الكبير لأنيس منصور، سببًا في غضبه منه، انتصارًا لحبٍّ كبير آخر: حبّه للمرأة. ذكّرني بحكاية النجاشي، ملك الحبشة، مع فريق المسلمين الهاربين إليه من مكّة ليحميهم من بطش أهلها. قال جعفر بن أبي طالب: "لهنّ ما لنا، وعليهن ما علينا." فاستهزأ عمرو بن العاص قائلا: "ماذا لهنّ؟ ونحن نشتريهنّ، ونُطعمهنّ، ونكسوهنّ، ليخدمننا. أو نبيعهنّ إذا أبين الطاعةَ!" فردّ جعفر في غضب: "أتمتهنُ المرأةَ التي حملتك في بطنها خَلقًا من بعد خَلْق، وأرضعتكَ طفلاً، وسهرتْ عليكَ حتى بلغتَ أشدَّكَ، يا عمرو؟" تلك هي المرأةُ: الأمُّ، الزوجة، الابنة، الشقيقة، الصديقة، الجارة، الشريكة في الأرض. هي الطفلةُ الجميلة ابنة الناصرة، المنذورةُ لهيكل سليمان، حتى تغدو صبيةً، ثم تصير أرقى نساء العالمين وأطهرهن. تحملُ في حشاها، عذراءَ بتولاً، جسدَ المسيح المقدس، مباركةً هي بين النساء. تذهب إلى أليصابات وتشدو نشيد الفرح لله نصير الفقراء والأذلاء والمحتقَرين. ترضى بأن يخترق سيفُ الحزن روحَها، لكي تنكشفَ الأفكارُ عن قلوبٍ كثيرة. فتهرب بوليدها إلى مصرَ من بطش هيرودس، ثم تأوي إلى ربوةٍ ذات قرار ومعين. فإذا ما بلغ أشدّه، تهبه للبشرية مُعلِّمًا وهاديًا. ترافقه في رحلة عذابه النبيل، حتى تنذره للصليب فداءً للناس، وقربانًا لله، ليحمل عن الإنسانية أوزارَها. فتغدو من بعده الأمَّ الكليّةَ الحزن.
يمتاز الأستاذُ عن غيره من الكتّاب الكبار، بأن لقلمه أسلوبًا يخترقُ القراء في مستوياتهم كافة. يدركه المثقفُ مثلما يدركه البسيط. من هنا كان العبءُ على كاهله هائلاً. لأن من حقّنا كمصريين أن نعوّل كثيرًا على ذلك القلم بأن يدفع الشباب ليعملوا وينهضوا ببلدهم الحزينة مصر. لهذا نتمنى على الأستاذ، نحن الغاضبين والغاضبات، أن يرتقي بوعي الشباب، بدلَ أن يُسخِّف شأن المرأة، فقط لكي يرسمَ بسمةً شقيةً على وجوه بعض الأزواج. الخائبين!


فاطمة ناعوت
[email protected]
المصري اليوم




تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

يا الله، من رسم الخطوط حول الدول؟ ترجمة:

07-تشرين الأول-2017

«الشاعر» هاني عازر

20-تموز-2014

نوبل السلام لأقباط مصر

28-حزيران-2014

هنركب عجل

18-حزيران-2014

النور يعيد السيدة العجوز

11-حزيران-2014

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow