Alef Logo
كشاف الوراقين
              

بنية السرد في رواية قضاة الشرف / ج1"

خيرة بغاديد

خاص ألف

2010-12-05

تطرح رواية "قضاة الشرف " لـ عبد الوهاب بن منصور إشكاليّة توريث السلطة والعلاقات بين أفراد المجتمع الواحد، الأسريّة خاصة.
" قضاة الشرف " حكاية تتخذ التراث موضوعا يطرح فكرة السلطة، وما يترتّب عنها من صراعات اجتماعيّة، وعائليّة أكثر(صراع بين الأب وابنه )، حيث يتلخّص موضوعها في حدث يشكّل بؤرة النزاع، حين يورّث الجد وهو في حالة احتضار الحكم إلى حفيده ( البطل/ الراوي ) بدلا من ابنه، فينتج صراع بعد أن يغتصب الأب الحكم من الوارث المنفي فيما بعد.
تدور أحداث الرواية بين مكانيين ( جبالة- وهران ) منفصلين جغرافيّا متوحدين حدّ الضياع بمكان ثالث – إن صحّ القول – يتّضح رذيلة وعبثا.
"قضاة الشرف" حكاية المقدّس والمدنّس الذي بينهما خيط هش، فينقطع لينحلّ أحدهما في الثاني، ويتشكّلا وجها آخر بكلّ ملامح العبث وفوضى الذات.
عتبـة العنـوان :

حمل العنوان"قضاة الشرف" دلالته في ذاته، واختزل المتن الحكائي، وكشف عن أبعاده في إحالة إلى انفصال اللفظين ( قضاة ≠ شرف ) رغم أنّ الدلالة في توحّدهما.
فكلمة قضاة بما تعنيه من حكام عادلين شرفاء ، ارتبطت بقيّم خلقيّة ودينيّة واجتماعيّة، نجد القضاة في الرواية غير شرفاء، وغير عادلين، يطبعهم الظلم والفساد، حيث "يشكل العنوان مفتاحا جماليا للنص الروائي يفكّ بعضا من استغلاقه "1، ويفسّر رموزا وغموضا قد يتداخل في النص.
إنّ قضاة الشرف " عنوان لرواية جسّدت الواقع المتناقض الذي يبرز حقيقة قضاة مزيّفين، لأنّهم يحاكمون الناس حسب أهوائهم وتوجّهاتهم التي تتنافى والمقام ( القضاء )الذي يجعل من صاحبه (القاضي) مترفّعا عن الدنايا وماديّات الحياة .
وظّف الروائي العنوان بطريقة ، تمكّن من خلالها أن يجمع بين الحقيقة ونقيضها، فظهر العنوان منفتحا على نفسه، لكنّه في الوقت ذاته منغلقا، يحيل إلى تأويلات عدّة .
- هل القاضي هو الحاكم المزيّف ؟
- هل كلّ قاض هو مغتصب للسلطة ؟
- هل السلطة شرّعت لغير الشرفاء ؟
هذه التأويلات التي تقرأ النص من أوجهه المختلفة، تجعل القارئ عنصرا مشاركا في إعادة إنتاج هذا النص، القابل للتأويل وفق رؤاه الخاصة ومدى تفاعله معه، ممّا يخلق فضاءات مفتوحة على الحكي، ويبقى العنوان جامعا لدلالة المتن الحكائي، وحاملا بعده كما يعدّ طريقا نحو الولوج إلى نبض النص، ولذا لن يكتمل أي نص ما لم يوظّف العنوان توظيفا ملائما يحمل إشارات وإيحاءات المبنى والمعنى معا.
أنواع السرد في الرواية:
إنّ "قضاة الشرف" نمط من أنماط الحكي، الذي يدرج ضمن السرد الذاتي، حيث " لاتقدّم الأحداث إلاّ من زاوية نظر الراوي، فهو يخبر بها، ويعطيها تأويلا معيّنا يفرضه على القارئ، ويدعوه إلى الاعتقاد به"2.
فهي سرد تعلّق ببطل إشكالي ، فرض الواقع والأعراف عليه قيوده ، فحرم من حقّه الشرعي من أقرب المقربين (الأب)، وتمّ نفيه إلى جهة أكثر عبثا ورذيلة، فكان سرد أحداث هذا البطل/ الضحيّة، بطريقة تفرض سلطتها على القارئ وتهيّمن عليه وتقبضه إليها بطريقة ذكيّة، قد يتمكّن من خلالها السارد من إحداث أثر في متلقيها، فكشف الأجواء المتأزمّة داخله، وقدّم الأحداث بتشعباتها وتعقيداتها من زاوية واحدة هي الزاوية الخاصة، التي تجعله يقبض على النص ، بتقنية خاصة أيضا متمكّنة من ممارسة اللعبة السرديّة.
"حيث يتدخّل الراوي بكل عنف بدءا من عنوان الرواية، ويمارس على القارئ سلطة مزدوجة:
الأولى بوصفه كاتب الرواية أي مشكل الأحداث ومرتّبها، والثانية أن حضوره داخل فضاء الرواية يجعله نقطة بارزة ( بؤرية ) تستقطب اهتمام القارئ"3.
فيوقع السرد عليه ( البطل/السارد ) ليكون الشخصية الحكائية القابضة على المسار السردي للحكاية، والمتمكّنة من نقل الأحداث وتصويرها برؤية خاصة تزاوج بين زمن السرد وزمن القصة.
" بين البداية والنهاية تتشكل الأحداث. وعلى طول المسافة الفاصلة بين هاتين النقطتين، يتمدّد جسد الحكاية ويؤسس سلطته الخاصة " 4، فتظهر الحكاية جانبا تراثيّا، يتمثّل في أعراف وعادات
مورثة من جيل إلى جيل ثان، للحفاظ على الإرث الاجتماعي والديني في المجتمع القبلي

بنية الحدث
تبتدئ رواية "قضاة الشرف" بوصف المكان (وهران)، الذي يحيل إلى ذكرى وفاة محمد (الأخ الأكبر للبطل)، فتعالق المكان مع هذه الذكرى ليكشف الوجه الآخر للحكاية التي تبوح بورطة المكان، بالممكن واللاممكن، ثمّ يحدث الانتقال إلى مكان آخر ( شجرة الخروب ) أين يعود البطل بخياله إلى وهران من جديد (حالة ارتداد )، بين مكانيين (جبالة - وهران) منفصلين جغرافيا ومتوحدين رذيلة ، لتبقى النهاية مفتوحة على أوجه السرد والتأويل الذي ينتجه القارئ.
من وهران إلى جبالة، ومن جبالة إلى وهران يحدث الارتداد، ويبنى الحدث الذي هو "أساس البناء الروائي وبؤرة عناصر البنية السردية كالشخصية والزمن والمكان...وهو الذي يمدها ببعد معيّن، وهو الرباط اللاحم حتى يبدو البناء متكاملا"5.
هذا الحدث المتشابك يأخذ طريقه إلى التأزّم داخل نفسية البطل/الضحية الذي يقلقه ماحدث، لكنه لايستطيع مواجهة واقعه، إلاّ بوهم يجعل منه بطلا ، يحاول أن يتمرد ويواجه المغتصب، وهذا الوهم يتعالق مع ذاته في دائرة مغلقة على نفسها.

المقطوعة السردية الأولى:
"جدي يحتضر..أبي عند رأسه ينتظر موته ليرث عمامته البيضاء وبرنوسه المصنوع من الوبر وسبحة خضراء مكّيّة ، ويعتلي عرش الحضرة.أبي يستهويه الجلوس على عرش الطريقة."6
في هذه المقطوعة السردية يكشف البطل حالة انتظار والده لموت الجد، ولحظات الترقّب التي جعلت الأب في وضع غير الوضع المفترض أن يكون عليه( حزن وأسى )وضع عكس نواياه الخفية والظاهرة في الوقت نفسه، واستعجاله لاعتلاء عرش الحضرة والإشراف على الزاوية، الذي سيمكّنه من ممارسة سلطته على الجميع، والتحكّم في شؤون العامة وتحقيق المزيد من الرغبة في امتلاك ماديات الحياة .

البصاق+ السبحة الخضراء المكية+ العمامة البيضاء+ البرنوس المصنوع من الوبر = اعتلاء عرش الحضرة/السيادة المطلقة
حالة البطل المضاد ( الأب) قبل وفاة الجد
- ليرث البصاق ( الحكمة).
الحالة الأولى - ليرث العمامة البيضاء.
الانتظار/الرغبة من وراء الوفاة - ليرث السبحة الخضراء المكية.
- ليرث البرنوس المصنوع من الوبر.
- لاعتلاء عرش الحضرة.
- ليمارس السلطة المطلقة.
المقطوعة السردية الثانية:
"جدي بصق في فمي، وقرأ بعضا من التمائم والأوراد، ثمّ علّق السبحة الخضراء المكّيّة على عنقي"7.
يتضح من خلال هذه المقطوعة السردية أن البطل الفاعل الأول ورث من الجد الحكمة والسبحة المكية الخضراء عن استحقاق ، أي عن طريق تأهيل شرعي، فتصبح الحالة (الذات)هنا في اتصال بالقيمة.
حالة البطل ( الحفيد) قبل وفاة الجد
امتلاك البطل للقيمة( الحكمة)
- بصق في فمي.
جدي -قرأ بعضا من التمائم والأوراد.
- علّق السبحة الخضراء المكية على عنقي.
البصاق + التمائم والأوراد + السبحة المكّية = الحكمة

يحرّك "الجد" الرغبة لدى "الحفيد" ( الذات) في امتلاك القيمة(الحكمة) التي تشكّل صراعا بينه وبين والده(الفاعل الضديد)، وهذا التحريك يمثّل برنامجا سرديا تكون بدايته بفعل يقوم به الجد، يتحدّد كما يلي:
-يبصق في فم الحفيد
التوريث -المكيّة على عنقه
-يعلّق السبحة المكيّة على عنقه
المقطوعة السرديّة الثالثة:

"أبي يلبس البرنوس الأبيض، وعلى عنقه علّق السبحة المكّيّة، بعد أن بصقت في فمه "8.
تشير هذه المقطوعة السرديّة إلى انتقال القيمة (الحكمة ) من البطل إلى البطل الضديد الأب، فيفتقد البطل القيمة، وتنتزع منه حيث "يحمل المحكي حبكة قصصيّة، تشكّل ذروة الصراع في الشخوص بعضها ببعض، فبعد أن تكون الوضعيّة الافتتاحيّة في حالة أوّليّة تتميّز بالتوازن، تنتهي بالوضعيّة الختاميّة وهيّ الحالة النهائيّة"9 .

حالة البطل ( الحفيد) بعد وفاة الجد
الحالة الثانية
يتحصل على البصاق ( الحكمة)
الاغتصاب/ تحقيق الرغبة
يتولى عرش الحضرة

المراجع/
1* تحريشي محمّد .في الرواية والقصة والمسرح قراءة في المكوّنات الفنيّة والجماليّة السرديّة.دار النشر دحلب.2007.ص73
2*لحميداني حميد. بنيّة النص السردي من منظور النقد الأدبي.المركز الثقافي.ط2000.3ص47
3* خمري حسين.فضاء المتخيّل مقاربات في الرواية.منشورات الاختلاف .ط 2002.1ص22
4* المرجع نفسه ص37
5* تحريشي محمّد. في الرواية والقصة والمسرح قراءة في المكوّنات الفنيّة والجماليّة السرديّة.دار النشر دحلب.2007ص192
6* عبد الوهاب بن منصور.قضاة الشرف.منشورات اتحاد الكتاب الجزائريين.دار هومة.2001 ص15
7*الروايةص16
8*الرواية ص18
9* بوشفرة ناديّة.مباحث في السيميائية السرديّة.دار الأمل.2008.ص45
وإذا كانت الوظائف في دراسة الحكايا العجيبة عند "بروب " محدّدة في واحدة وثلاثين وظيفة
فإنّ "غريماس"اختزلها في ثلاثة اختبارات:
-الاختبار التأهيلي -الاختبار الرئيسي-الاحتبار التمجيدي.
خيرة بغاديد
[email protected]





تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

شذرات

21-نيسان-2014

قراءة في قصة تراثيَّة : الناسك والجرة

28-تشرين الأول-2013

تجلّيات الوطن في ديوان " هؤلاء نحن " للشاعر صادق العلي

13-تشرين الأول-2013

أنا .. وأنتَ ..

09-شباط-2013

مصافحة الرئيس

17-تموز-2012

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow