إنهم يقتلعون الحب من بلدتي
خاص ألف
2010-12-11
عزيزي القارئ
سأحدثكَ عن بلدتي ذات الملامحِ المحافظةِ، والحشمةِ المزمنة، والاحتقانِ العقدي، والسلطةِ البطريركية الساذجة، والجوع الفادح، والفقرِ المدوي، واللعنةِ الثوريةِ المتورمة، كلّ هذا يتمازج بنسبٍ متفاوتةٍ، ليشكلَ صورةَ بلدتي، بعد أن فتّ في عضدِها الحصارُ، ولوعتها الحروبُ، وكسرت شوكتَها الفتنُ، التي جرّت علينا سُحباً داكنةً من البغضاء.
يلوكُ سكانُ بلدتي حنقَهم وتبرمَهم كإبل موتورةٍ ،في صمتٍ وهدوءٍ عميقين ، هل هو صمتُ ما قبل العاصفةِ ؟ لا أحدَ يدري! جهامة ٌفي كلِّ منعطفٍ ، استياءٌ في كلِّ غصةِ حرفٍ، نزقٌ ينفجرُ لأقل الأسبابِ، سحبٌ من الألمِ الدفينِ يتراكمُ في محيطِ القلبِ، ولا سبيلَ لانقشاعِها، قلوبُهم معلقةٌ بنشراتِ الأخبار، لعل وعسى بصيصاً من الأمل يهدهدُ حزنَهم المشرئب بعنقهِ كأعراف الخيل، فيبدد وحشتهم، ويؤثث خرابهم الطافحِ بحُلمٍ جديدٍ، بعد أن سفكتْ أحلامهم ساعة طيش، ومزقتْ أواصرهم ذات غواية،وبددتْ كلَّ شرعيةٍ لهم ، واعتنقتِ الردة، وأصبح كل مواطنٍ خصماً وحكماً .
تنوسُ بلدتي كسراجٍ أعمى، لا ترى أبعد من أنفها ، أنفها الذي يشبهُ أنفَ ساحرةٍ شمطاء، معطلة الحواس، معطوبة كفاكهةٍ ، تداري خيباتها ، بلدتي تكذبُ باستمرارٍ، تجيرُ دمنا الراعف لتثري وتكتنز .
بلدتي تحترفُ الموتَ بامتيازٍ، وحين تطلُ علينا الحياةُ كامرأةٍ جميلةٍ تدعونا إلى حفلِها الراقصِ لنراقصها ونشمّ عطرَها ونكتبُ شعراً بعينييها المغويتين، نسملُ عيونها، لأننا اعتدنا الظلمةَ !
يا سادة إن نفوسنا مظلمةٌ ككهفٍ عميقٍ تدبُ فيه الوحشةُ والرطوبةُ والعفنُ والتقاليدُ السبخةُ ؟!.
تفترشُ صقيعَها وحدها لا يسامرها إلا القتلى والخرائبُ ومصاصو الدماءِ ، تحلمُ فيأتي الحُلمُ على صورةِ كابوسٍ، يرشحُ دماً ويدبُ على أخضرنا فيحيله رماداً ، ينفثُ فينا ناراً كتنين فيحترق فينا الأملَ ، وتترهلُ الحياةُ .
كلُّ ما يحدثُ هنا لا يمتُّ للواقعِ بِصِلةٍ ،إنه كابوسٌ فظيعٌ ، سطا على أحلامِنا ذاتَ فجيعةٍ ، وأودى بكلِّ مقدراتنا الوطنيةِ إلى التهلكة .
في بلدتي الخاملةِ، متبلدةِ الإحساس، بلدتي التي لا تشبهُ إلا هي، صعد عاشقان سيارةَ أجرة عائدان إلى بيوتهما ، بعد يومٍ جامعي معلقٍ على مشاجب الانتظار، كان حلمهما البسيط أن يعودا سويا في ذات الحافلة ليشمّا أريجهما المحاصر، لتلتقي عيونهما فوق غمامةٍ مشتهاةٍ تحرمُ الوسادةَ النومَ حتى الصباح، أرادا أن يلوذا بلحظةٍ مخاتلةٍ تغافلُ عينَ الرقيبِ التي تترصدُ الحبَ في كلِّ مكانٍ فالوطنُ لا يحتملُ أن نريقَ وقتَه هباءً، والعشقُ هو الداءُ العضالُ! فمن يُسلِّم قلبَه للهوى يهوي في الدركِ الأسفل للنار، في مجتمعٍ تأسلمَ حديثاً ويحاولُ بناءَ إمارتهِ الإسلاميةِ على أنقاضِ جثثِ إخوته العلمانيين، الذين اجتثوا بدمٍ باردٍ ،وبنادقَ صدئةٍ وقلوبٍ طافحةٍ بالغلِّ المحمومِ على كلِّ ما هو أصفر !!.
تركب إحدى اللحى سيارة الأجرة ذاتها، تتفرسُ في وجوهَ الركابِ الواجمين، المعلقين على بندول الساعات التي تفيح بالحزن والمقتِ والكارثةِ ،يقلبُ عينيه في الجميع يبحثُ عن مكيدةٍ متوهمةٍ ليرتقي ويحوزُ نجمةً جديدةً على كتفيهِ ، فالبلدةُ تنوءُ تحت ثقلِ النياشين وأوسمةِ النصرِ الزائفِ، والحريةِ الملطخةِ ببقعِ العارِ، يشمُّ رائحةَ الحبِ تعبقُ في القلوبِ البكرِ التي تفيح جواره كزهرتين في أصيصٍ قاحلٍ يحادثُ نفسه
- لا بدَّ أنه عميلٌ نجسٌ سمحَ لنفسهِ الأمارةَ بالسوءِ أن يقعَ في شركِ الحبِ إنه أحدُ المندسين الصفر من الحقبةِ البائدة .
"يا سادة أصبحَ هناك حقبتين في بلدتي حقبة بائدة وحقبة قائمة "
يظلُ طوالَ الطريقِ محتقناً ، يعتملُ كمرجل، يئزّ، إن البلدةَ في خطرٍ داهمٍ يجب القبض على هذا المجوسي الذي يقدحُ كنارٍ في معبدٍ صغيرٍ ويبشرُ بالردةِ .
تنزلُ نسمةُ العشقِ الأولى على المفترقِ الأول .
تنزل النسمة الثانية على المفترق الثاني .
- يحادث نفسه هما ليسا مخطوبين أو متزوجين هما عاشقان والعشقُ حرامٌ يعمي البصيرةَ ويؤسسُ للغي ويمسُ بأمنِ البلدةِ .
البلدةُ الخاملة ُ تأكلُ نفسها في صمتٍ كنارٍ ضروس لا تجد ما تأكله ..
تعتملُ كجبلٍ محشوٍ بالحممِ البركانيةِ التي تنتظرُ ساعةَ القذفِ كي تدكهم دكاً ستزلزل القلوبَ وتعصفُ بهم عصفاً
يفتحُ هاتفه الخلوي يحادثُ شخصاً آخرَ يعطي أوصافاً يسردُ تفاصيلَ وهميةٍ، رسمها عقله المريض يحيكُ قصته الملفقة .
- عُلم وسوف يتابعُ الأمرَ الأمن الداخلي .
أصبح الحبُ طريداً في بلدتي يا سادة، الكراهيةُ ترتدي بزتها العسكرية المرقطة بالحقدِ ،وتطلقُ سهامَ (( كيوبيد )) على القلوبِ العاشقةِ، هي بالمرصادِ لكلِّ من تسولُ له نفسه أن يخرجَ عن دائرةِ الحصارِ الغاشمِ ليشمَّ الحريةَ ! أوليسَ الحبُ هو خيارٌ حرٌ؟ يؤثثُ القلوبَ بالفتنةِ والتمردِ والمعصيةِ ؟
الكراهيةُ تطلقُ سُمّاً زعافاً على كلِّ لحظةٍ عاشقةٍ فالبلدةُ وفقَ رزنامتهم التي ترشحُ غلاً ،لا تحتمل الحب ، لذا يقضي الجنودُ جلَّ وقتهم الثمين في تصيدِ العشاقِ في كلِّ مكانٍ .
- يجب أن نكتشفَ الطابورَ الخامس ونفتكُ بهم فهم من بقايا العهدِ الأصفر الذي كان ينوءُ تحت ثقلِ الإثم ِوالخطيئةِ والعهرِ !.
يتسمعُ الجنودُ على الهواتفِ ، وتراقبُ المقاهي العامة ،وتداهم في كلِّ وقتٍ ،ليلقي القبضَ على كلِّ قلبٍ يفيحُ بالحب، ويتفتحُ كبرعم وردٍ على هامشِ الدمارِ والهاويةِ التي تتعربش القلوبُ البائسة .
أصبح الحبُ وسواساً رجيماً ، نبتاً شيطانياً، يجب أن يكافحَ بكلِّ المبيداتِ، لأنه يهددُ أمنَ بلدتي القومي ، ويبشرُ بالحريةِ، والإنسان !
يمضى( أبو جهل) في غيِّه يكمنُ لكلِّ ما هو جميلٌ ،يقتلعُ بأصابعهِ الدمويةِ فجراً كاد أن يلوحَ ، يفندُ صباحاتنا صبحاً صبحاً، يصفع أحلامنا، يبصقنا في أول حاويةٍ تقابله ، يرمي بنا في أتون من الحلكةِ لا تنبئ عن فجرٍ قريب .
"براءة من الله ورسوله " إن ما يحدث في بلدتي لا يندرجُ تحت أي مسمى فهو غريبٌ وبذيءٌ ومحمومٌ وهذياني !
أربعة سنين ونصف من اللغطِ الكاذب، والفسقِ الملتحي، والعهرِ المتكرش تحت جلابيبَ فضفاضةٍ تمارسُ البذاءةَ من وراءِ حجابٍ؛ الأبوابُ الموصدة تهذي في بلدتي يا سادة ، و تمارس رذيلتها بهدوءٍ عميقٍ من وراء حجاب ،"شيزوفرينيا" تتلبسها تنزُ حلكةً وظلمةً وغموضاً ، ونغضُ الطرفَ ونواري سوءتنا بورقةٍ توتٍ والثورةُ تدق طبولاً جوفاءَ !
و سيوفاً عرجاء لا تريقُ نقطة َدم ٍواحدة .
مثلومةٌ سيوفنا الموجهة لصدرِ العدوِ وتلثغُ بلغة ٍآسنةٍ تقطرُ كذباً وخداعاً وسفسطة ً
فها هو العدو ينامُ قريراً ، ملءُ عينيه أمانٌ، ومن تسولُ له نفسه أن يقضَ مضجعَ هذا العدو فهناك من يتلقون رواتباً لتلقينه درساً في الانصياعِ والانضباطِ لئلا يشقُ عصا الطاعةِ على ولاةِ الأمر ،ستقلم أظفاره حتى يعرف الحقَ من الباطلِ فالباطلُ في بلدتي ذو جذور ٍعريقةٍ تصلُ حتى شبه الجزيرة العربية
ذات الرمال الصفراء والخيام البائدة !!!.
فلسطين غزة
08-أيار-2021
25-تشرين الأول-2011 | |
05-كانون الثاني-2011 | |
02-كانون الثاني-2011 | |
22-كانون الأول-2010 | |
11-كانون الأول-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |