أربعون حرفا أربعون معراجا
خاص ألف
2011-01-05
قراءة في مجموعة الشاعر العراقي (أديب كمال الدين) أربعون قصيدة عن الحرف
حين تتهجى هذا النبي القادم من بلاد النخل والأرق, تشعر أنك امام ملك يعربي مصاب في شغافه, يتذكر عزته السليبة وودمه المسفوح
(أديب كمال الدين)النبي المكذب في قومه,الطريد في صحاري الحرف, الغامض غموض الماس, الشاهق كجبل الشيخ في فلسطين, الممتد كجرح من الوريد الى الوريد, تنكب على حرفه فتشعر بلذة تتلبسك كجني مارق, حضور شعري باذخ من الألف الى الياء0
يجلس على سدة الحرف, مقنعا بطلاسمه, يحيك ملكا من فسيفساء اللغة , ونطف الشعر التي تمور حياة , قلاع من اللغة العصية والقصية, يشيدها بأناة و تؤدة , يفخخها بجمال فاره , ينثّ أبجدية متمنعة,يوقظ سباتنا المترامي الأطراف, يلكز بمهمازه أحصنتنا الكسيحة, فتفزّ وتعدو للجمال الغامض, الذي يتحصن في فراديس من السمو, يتخطفنا ويهوي بنا صعودا نحو عليائه, يفترش النقطة عراء في سديم من المعرفة لكنّ الحرف لا يلبث أن يسقط مثخنا بجراحاته متوحدا في كمين المنفى المعد لأمثاله بإحكام
في مدينة باردة الأطراف يضيء الشاعر قلبه المحمل ببذور الكوارث , تسامره نذوره وطقوسه , وجنته الهاربة من النار بخمورها وأنهارها وأشعارها , يفترش حرفه الذي يلبسه المعاني يتخذ الحرف رمزا له, نديما له في وقت عزّ فيه النديم, يسقط عليه جراحاته فنراه من خلال الحرف والنقطة بوحا شاهقا متقرح الاجفان مكسورا, محبا, مفتونا, صوفيا, غريقا, لطيما, منفيا مصابا في اصدقائه, وحبيبته التي اسلمها لغراب ينهش لحمها البض يغرق في لجة دامسة بينما نوح يصم اذنيه يتركه في طوفان من الغربة ينخر السوس منسأة العمر وحيدا كنجمة ضيعها الدرب فأضاءت سماء أخرى مؤكد ليست سماء الوطن
يتكسر( الحروفي )أهلة وبلابل, يبزغ بين مجايليه, يجترح فضاء من النعناع, يشعل الحروف قناديلا في سقف القلب, علها تقشع غربته الطالعة من فيافي الروح, يسقط عليها انكساره ووحدته وشغفه وتوقه وطفولته اللطيمة, تراه في الحاء والباء والسين يطرق جدر الخزان بحرف مسنون كمدية لا تهدأ يتقحم سكوننا بريح تعري وتكشف وتصارح وتلثغ نشرق بتساؤلاته الفاغرة فاها يستنطق في حروفية هائلة مكامن الوجع يصدمنا بحجم معاناته,جسد في الصقيع , وقلب يعتنق الوطن كآخر الرسالات 0
يتركنا على عروة النص, بلهاء مفلسين تماما, فهو الثري ونحن المعوزين , مكدسين بسطحيتنا أمام بحره المحيط , نرتدى لغة رثة وحناجر سبخة, تفرخ فيها الديدان, وهو الألف المهموز الذي يسافر في فضاء من الجرح بعد أن هجره الوطن, وتكاتفت ضده المآسي واقتلعت جذوره رياح الفتنة 0
نتلمس رؤاه بلغة كفيفة ,هو المبصرفينا, يمتشق حرفه ويبحر فينا بعيدا بعيدا , ينغلّ فينا , يقبض على فعل الجمال بحرف واحد ونقطة ندية0
تجلس على متكأ من اللذة وأنت تحاور هذا النزيف الشعرى المحمول على معراج من الشعرية السامقة يرتقي بروحك في عالم من الروحانيات
هي لغة الكشف والمصارحة, لغة للبوح المرير, حين نجترح حلما عصيا, ونعاقب على فرح لم نقترفه0
في كل(موقف) يستنهض روحك, ينفض أدرانها,يشيع فيك عوالم نورانية, تطلع من غيابة الجب , يفيء علينا عذوبة, يثير فيك أسئلة كونية بحجم غربته المسفوكة على الأرصفة والطرقات الباردة يذوي بهدوء وصمت مكابرين, كصبارة في صحراء من العطش0
يهز نخلك, يلتف عليك, يضيق حصاره , ينال منك وانت المسكين الذى لا حول ولا قوة له , تغترف من فراته المكلوم غرفات أمضها العطش 0
هو الفتى السومري الذي أضاعته سنونه بحثا عن دراهمه السبعة الضائعة, بحثا عن طفولته المراقة على شرشف الفقر والعوز, فكان شعره ارتداد قسري لهذه الطفولة اللطيمة أوليس الشعر كما يقول بودلير (هو الطفولة المستعادة قسرا)
هوامش
أديب كمال الدين
أربعون قصيدة عن الحرف
دار أزمنة للنشر والتوزيع – عمّان- الأردن 2009
كُتِبتْ قصائد المجموعة في مدينتي سدني وأديلايد الأستراليتين
في عامي 2007 و2008
هوامش
أديب كمال الدين
أربعون قصيدة عن الحرف
دار أزمنة للنشر والتوزيع – عمّان- الأردن 2009
كُتِبتْ قصائد المجموعة في مدينتي سدني وأديلايد الأستراليتين
في عامي 2007 و2008
08-أيار-2021
25-تشرين الأول-2011 | |
05-كانون الثاني-2011 | |
02-كانون الثاني-2011 | |
22-كانون الأول-2010 | |
11-كانون الأول-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |