هديةُ الرئيس لأقباط مصر
2011-01-09
طالب الرئيسُ المصري حسني مبارك الشعبَ المصري، مجتمعًا، بالوقوف في وجه الإرهاب الذي استهدف تفجير كنيسة "القديسيْن" بالإسكندرية ليلة الجمعة وأسفر عن سقوط عشرات القتلى والمصابين. ونقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط أن الرئيس "يهيب بأبناء مصر، أقباطًا ومسلمين، أن يقفوا صفًّا واحدًا في مواجهة قوى الإرهاب والمتربصين بأمن الوطن واستقراره ووحدة أبنائه."
لا أحد في مصر سيفيد إن اشتعلت النيران التي بدت نذرها في الأفق منذ العام الماضي، لأنها، إن تأججت، ستطال الأخضرَ واليابسَ، فالأحزمة الناسفة ليس لها قلبٌ ولا عقل يميز بين مسلم ومسيحي، بين شاب وطفل وشيخ، بين رجل وامرأة. وكذلك لا أحد سيفيد إن جمّلنا الكارثةَ واخترنا لها اسمًا هادئًا أنيقًا. لذلك أسألُ: هل مفردة "إرهاب" تصفُ الحادثة المروعة تلك بدقّة، كما قال الرئيس؟ أم هو "إرهابٌ طائفي"؟ ذلك أن المسلم الانتحاريّ الذي ارتدى حزامًا ناسفًا، سواء أكان مصريًّا أم عربيًّا، كان ينوي أن يفجره في صدر مسيحي، وقد فعل. كلنا نكره هذه المفردة القبيحة: "طائفية"، ونفضّل عليها أن يكون إرهابًا خارجيًّا مئة بالمئة، كي نريح ضمائرنا. لذلك اندفع المسلمون الشرفاء لمساندة المصابين من إخوانهم المسيحيين والتبرع لهم بالدماء. لكن، مع هذا، تظلُّ تسمية الأشياء بأسمائها، مهما تكن قاسية، هي الخطوة الأولى نحو العلاج، إن كنا بالفعل نريد أن نعالج أخطر الظواهر الجديدة إيلامًا في مصر. الفتنة الطائفية.
السيد محافظ الجيزة، أعطى إشارة الهجوم المسلح لإيقاف العمل بكنيسة العمرانية، وكان يستطيع أن يترجّل حتى موقع العمل ليناقش أولي الأمر، نظرًا لحساسية الحال، وكانوا سينصاعون، ونتجنب الرصاص الحيَّ والقتلى والمظاهرات والفتن. وزير الداخلية كان يستطيع أن يلتقي البابا شنودة، مثلما التقاه الرئيس مبارك، بعد الأزمة، ليجنّبوا عمومَ بسطاء المسيحيين والمسلمين مواجهات وملاسنات واحتقانات واتهامات، تهدم ولا ترأبُ صدعًا، ذلك الصدع الذي لا خاسر فيه سوى الوطن. السيد محافظ الجيزة، أو سواه، فتح الباب لأحداثٍ، أصلّي لله ألا تستمر، كيلا نخسر استقرار مصر أكثر. ذلك الوطن الذي لم تتغير ملامحُ حدوده منذ بداية التاريخ. صحيح أن بُعدًا سياسيًّا قد يتدخل في قراءة مجزرة كنيسة الإسكندرية، ذاك المتعلق بتهديدات القاعدة، التي بدأت في العراق ثم امتدت إلى مصر، لكن أي منصف لا يستطيع أن ينكر أن تمهيد الأرض لدخول القاعدة، لو صحّ الأمر، عن طريق حرثها وريِّها ونثر البذور، هو صناعتنا نحن. لأننا في لحظة تاريخية أرخينا فيها الحبل للمتشددين والمنحرفين والعميان، غير عابئين بمصلحة الوطن الذي يقف على شفا هاوية. وإلا فليقل لي أحدٌ: لماذا تم الهجوم على كنيسة العمرانية قبل أيام من انتخابات مجلس الشعب، التي كانت النيةُ منعقدة قبلها لإقصاء الإخوان المسلمين؟ محض مصادفة؟ أم هي وسيلة لامتصاص الغضب المتوقع من قطاعات الشعب المتعاطفة مع الإخوان لأسباب سيكولوجية واقتصادية وتاريخية نعلمها؟ ثم، أين الإجراءات الأمنية الوقائية التي كان من المفروض إتباعها، في ظل تهديد القاعدة، وفي ظل شواهد كثيرة تحدسُ بأن عملاً إجراميًّا يلوح في الأفق؟ لا سيما وقد تلقينا درسًا قاسيًّا في 7 يناير 2010 في نجع حمادي. ألا يستحق الحدث تفسيرًا من وزارة الداخلية؟ ألا تستحق الأرواح التي أزهقت: في نجع حمادي والعمرانية والكشح والإسكندرية أن تستقيل الحكومةُ بكاملها؟ إلى متى نمضي في تجميل الأحداث على حساب مصر، وأقليّات مصر، وأكثريتها كذلك؟
ضجرنا من ترداد كلام محفوظ مكرر، بدأ يفقد معناه، إن المصريين نسيجٌ واحد لشعب واحد، ثاروا معًا في 1919، وحاربوا معًا في 1973، وامتزجت دماؤهم المسلمة بدمائهم المسيحية في كافة المحن التي مرّت بها مصر. كل هذا حقٌّ لا مراء فيه. لكنه حقٌّ يُراد به ويلٌ ودمار. إذ علينا أن نبحث بحسم عن الأسباب التي أزّمت العلاقة الرفيعة التي كانت تربط المسلمين بالمسيحيين في بلادنا. لماذا "أصبح" المصريُّ المسلم "الراهن" يستكثر على المصريِّ المسيحي بناء دار عبادته؟! ويقضي نهاره وليله في حساب نسبة عدد الكنائس إلى عدد المسيحيين! ويُضاهي بعضهم، بكل غباء، صعوبةَ بناء كنائس في مصر، بصعوبة بناء مساجد في أوروبا! دون وعي بأنه كمَن يقارن بين قطارٍ وعمود إنارة! إذْ يقارن بين حق مواطن، وحق وافد أجنبيّ! أقباطُ مصر مواطنون مصريون، لا يُمنُّ عليهم بحقوقهم الأصيلة. بينما مسلمو أوروبا في معظمهم وافدون أجانب. وهو ما جعل المسيحيَّ المصري يشكّ بأن خيرًا سيأتيه من هذا الوطن الذي ينتمي إليه ويقصُّ له الضرائبَ من منبع راتبه. ابحثوا عن الأسباب التي جعلت هذا الشعب العريق ينقسم على نفسه، لدرجة أن شيخًا يرى أن المسلم الأفغانيّ له حقُّ بمصر أكثر من المسيحي المصري! في حين يفتي آخرُ بأن "كل سنة وأنت طيب" حرامٌ أن يقولها مسلمٌ لمسيحي في عيده!!! ابحثوا في ضوء أن الشظايا التي انفجرت في وجه الكنيسة لم تفرق بين مسيحي ومسلم، لأن الشظايا عادلةٌ لا تميّز طائفيًّا، لا تحفظ الوجوه، ولا تنفجر حسب العقيدة!
عفوًا سيدي الرئيس، انفجارات ليلة رأس السنة ليست مجرد إرهاب، بل إرهاب طائفيّ. بدأت صناعته منذ 35 عامًا، حين فتح نظام الرئيس السادات الباب مشرعًا أمام الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية والوهابيين، فقط لكي يضرب الناصريين والشيوعيين. وتطوّرت صناعةُ الإرهاب باستخدام كنيسة العمرانية لتخفيف التعاطف المتوقع مع الإخوان المسلمين، الذين قررت "الانتخابات" إقصاءهم من البرلمان. في حين أن أي عابر سبيل في مصر يعرف أن للجماعة ثقلاً جماهيريًّا مهولاً، وأن هذا "الصفر" العبثيّ صناعةٌ "وطنية" بامتياز. مصرُ تحتضرُ يا سيادة الرئيس، وليس أقلّ من مواساتها بقيام الأزهر بصلاة جماعية على روح شهداء الإسكندرية. ولتكن هديتُك لمسيحيي مصر الحزانى في العام الجديد، المُنذِر بالويل، هي تفعيلُ قانون موحد لدور العبادة. ليس أقلّ من هذا يا ريّس.
جريدة اليوم السابع
08-أيار-2021
07-تشرين الأول-2017 | |
20-تموز-2014 | |
28-حزيران-2014 | |
18-حزيران-2014 | |
11-حزيران-2014 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |