هموم سورية
2011-01-15
أمنيات خارج التغطية
في نزهة بحرية على يخته الفخم، قال الملياردير أوناسيس مشيراً إلى الخادم الشاب الممتلئ حيوية: هذا الخادم يحسدني على ثروتي. سأله أحدهم: وأنت على ماذا تحسده؟ أحاب: أحسده على شبوبيته. ومن المعروف أن أوناسيس كان فقيراً أيام الشباب.
الموظف يتمنى العودة إلى دوام الست ساعات السابق، مع الحفاظ على عطلة يومي الجمعة والسبت. والمواطن الذي له شغل في الدوائر الرسمية يتمنى العودة إلى عطلة اليوم الواحد في الأسبوع مع بقاء الدوام الطويل على حاله.
رجل الأعمال يتمنى أن يدفع الضريبة التي كانت تجنى في أعوام الخمسينيات، مع بقاء أرباحه على حالها. وصاحب الدخل المحدود يتمنى أن يحافظ على دخله الحالي وعودة الأسعار كما كانت في الستينيات.
صاحب السيارة يتمنى تقنين السيارات والتخلص من الأزدحام وشارات المرور، مع حفاظه على سيارته الخاصة، والأب يتمنى التفوق لابنه في شهادة البكالوريا دون أن يتكلف المال للدروس الخصوصية والغني يتمنى الطعام للفقراء، ولكن ليس من مائدته، والمرؤوس يتمنى أن يجاهر برأيه صراحة في رئيسه دون أن تقع الكارثة على رأس هذا المرؤوس.
الصحفي يتمنى نشر كل ما يكتب دون حذف أي كلمة، على أن يتحمل رئيس التحرير ومعاونوه وحدهم مسؤولية النشر. ورئيس التحرير يتمنى تجاوز الخطوط الحمراء في النشر لتكون صحيفته الأكثر مبيعاً وقراءة وانتشاراً، على أن لا يتسبب له ذلك بوجع الرأس.
القادة يتمنون الحصول على الأوسمة دون خوض المعارك.
العرب يتمنون زوال إسرائيل دون بذل أي مجهود.
الأنظمة العربية تتمنى لبلادها التقدم دون أن تؤمن لأفرادها العيش الكريم وحرية التفكير والتعبير.
نحن نتمنى لمجتمعنا التقدم والتفوق دون أن نتخلى عما نحن فيه من راحة وسكون وموروث والذي يردد المثل الشائع «فخار يطبش بعضه» يتمنى أن تسلم فخارته وحدها من التطبيش.
الكل يتمنى أن يحصل على كل شيء دون أن يفقد أو يقدم أو يتنازل عن أي شيء.. يا سلام على هيك أمنيات.
مازوت
أخاف أن أملأ برميل المازوت عند الظهر، فتظهر علينا مذيعة أخبار الثامنة والنصف بابتسامة مفصلة للمناسبة لتزف لنا بشرى على لسان الحكومة بتخفيض سعر المازوت، أو بوجود قسائم الأسعار المخفضة بانتظار المواطن في المراكز المنتشرة في طول المدينة وعرضها، فأكون قد خسرت بضع مئات من الليرات تكفي لشراء كمية مازوت أخرى. فتتحول بشارة المذيعة بالتخفيض إلى هم وغم وندم بسبب ما تكبدتُ من خسارة.
وأخاف أن لا أملأه، فيداهم البرد بيتي، وأفتل في الشوارع والأزقة بحثاً عن طنبر أو سيارة المازوت، ولا أحد يلتفت إليّ لأن الشغل لفوق رأسهم. أو أتصل بالكازيات فيرن الهاتف دون أن أحظى بالرد، أو يكون أعطنا الاسم والعنوان وأنتظر الدور. وهات يا انتظار. مع أنني وبقية المواطنين البسطاء أمثالي قد تعودنا على الانتظار. انتظار قرارات الحكومة. انتظار الظروف الموضوعية. انتظار راتب أول الشهر. انتظار تحسن الأوضاع، انتظار الفرج. انتظار ألف شبيه لغودو. أدمنَّا الانتظار وتعودنا عليه. لكن من يقنع البرد بالانتظار حتى تقول الحكومة القول الفصل في هذا الموضوع؟ هل هناك ضوء أم ما في ضوء؟ وعلى ضوء هذه العين عليك أيها المواطن أن تتصرف بما يناسبك. وعلى قد مازوتك مدّ رجليك. أو على قد أموالك مدّ طابة المازوت.
عندما تزوجت في بداية السبعينيات من القرن المنصرم، وفتحت بيتاً، وصرت إنساناً مسؤولاً عن بنت الناس وما قد يستجد مستقبلاً من صبيان وبنات، لم يكن لدي آنذاك برميل، بل كنت أعبئ الماوزت بالتنكة أم العشرين ليتراً. وكان سعر التنكة أي العشرين ليتراً في تلك الأيام ليرة ونصف الليرة السورية. وصار الآن تعبئة هذه التنكة بأربعمئة ليرة سورية. أي أننا بالأربعمئة ليرة سورية كنا نستطيع تعبئة مئتين وستة وستين تنكة ونصف التنكة. أي ثلاثة عشر برميلاً وثلث البرميل. أي إن سعر تنكة المازوت هذه الأيام كان في تلك الأيام يكفي لمقارعة البرد لأكثر من ثلاث شتويات قارصة.
نطق متحدث حكومي غير رسمي أن الحكومة تدرس صيغة من أجل دعم المازوت. فاستبشر المواطنون بالدفء. وبدأ كل واحد منهم بالتحليل والتركيب وإيجاد الصيغة المناسبة للحل الأمثل. تصوروا أن الحكومة ما إن يتسرب عنها خبر أنها تدرس أمراً ما حتى يبدأ المواطنون بحمل هَم الحكومة والتفكير عنها وإيجاد الحلول لها. وكأن المواطن لا يريد أن يتعب حكومته بالتفكير، لأن قلبه عليها. ولكن الحكومة في المحصلة لا تعمل إلا الذي في رأسها، لأن قلبها أيضاً على المواطن ولا تريده أن يتعب عقله بالتفكير، ولذا فهي تفكر عنه. لعل هذا هو نوع من التلاحم العضوي بين الحكومة والمواطن.
بعد أن فشل العالم أديسون عشر مرات في إحدى تجاربه العلمية، قال له مساعده المخلص يا أستاذ توماس لقد فشلت في هذه التجربة عشر مرات، وما زلت تجرب! أجاب أديسون بكل ثقة يا ولد. لقد اكتشفت عشر تجارب تؤدي إلى الفشل، وبتجنبها فإنني سأصل حتماً إلى الحل الصحيح.
الحكومة قامت خلال عامين بتجربتين فقط من أجل دعم المواطن بالمازوت. ولعله قد تبين لها أنهما تجربتان فاشلتان. التجربة الأولى كانت في العام قبل الماضي عندما وزعت قسائم مازوت بسعر مخفض على كل مواطن يملك دفتر عائلة صادر رسمياً عن دائرة النفوس. وهكذا فقد ساوت بين الأسرة التي خبزها كفاف يومها، وبين الأسر التي تصيف في منتجعات أوربا وتشتي في جزر الكاريبي. أي إنها قد اعتبرت المازوت كربطة الخبز الذي يطول دعمها جميع شرائح المجتمع. غير أنها في السنة التي تلت، أي الشتوية الماضية، تنبهت إلى أن شرائح المجتمع ليست كأسنان المشط في الدخل والحياة الاجتماعية، فاعتمدت نظرية مفادها (إيصال الدعم إلى مستحقيه). ووضعت مقاييس حازمة ليتبين لها المستحق من غير المستحق.
وكانت النتيجة إيجاد سماسرة لهذا الموضوع، ولعب على المقاييس الحازمة، ثم أزمة ثقة بين الحكومة وبين بعض المواطنين. ولعلها اكتشفت أيضاً أن هذه التجربة أيضاً غير ناجحة.
والآن، لا أحد من المواطنين يعرف أسرار الحكومة فيما إذا كانت تدرس، أو أنجزت تجربة جديدة لدعم المواطن بالمازوت. أو أنها اقتنعت برأي مساعد العالم أديسون أن تجربتين فاشلتين تكفيان لصرف النظر عن متابعة هذه التجربة، ومن ثم إقفال باب الاجتهاد.
08-أيار-2021
29-شباط-2020 | |
01-شباط-2020 | |
14-كانون الأول-2019 | |
27-نيسان-2019 | |
23-آذار-2019 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |