بين عدنان وأحمد
خاص ألف
2011-01-29
كلاهما ضائع، كلاهما لا يعرف ما الذي يريد، كلاهما يركض وراء الفاصلة.
هما لونان من ألوان الطيف؛ روايتان فوضويتان؛ حجرتا نردٍ قُذفتا من دون قصد؛ يجيدان العبث بامتياز، يدخنان الانتظار، يحلمان كثيراً، يحلمان بأن يكونا، ليس المهم ما الذي يكوناه، المهم أن يكونا وحسب.
***
من حق الجميع أن يسأل: هل هما جديران بأن يُكتب عنهما؟.. أجيب: أنا لا أتكلم عن أشخاص، أنا أتكلم عن روايتين؛ عن لونين من الواقع.. ألا تريدون الواقع؟ ها أنا أثبت واقعيتي إذن، فلما هذا التهرب؟.
بالنسبة للأول: هو صحفي، أقصد لا يزال يدرس الصحافة، أظن أن عقداً من الزمن مرّ وهو يتخبط في دراسة هذا الاختصاص.. هل الصحافة اختصاص؟.. سأترك الإجابة لمن يعمل في هذا المجال... دخل الصحافة وبين يديه كومة أوراق تنبض شعراً، وشفتان لا تلتقيان، تفصلهما القصائد.. كان يظن أن الصحافة ستولّدُ له منبراً.. فماتت الصحافة، وماتت القصائد، ومات المنبر. أعتقد أنه أنهى رسالته.
وبالنسبة للثاني: وهو صحفي أيضاً، لكنه يصغر الأول بجرح واحد، قلما أراه مكترثاً، هو يتقن الغرق بحق، ويعرف جيداً كيف يوجه بصره إلى الآخر، هو مخيف إلى حد ما، أحياناً أرى فيه زوربا اليوناني، وأحياناً أشعر أنه بحاجة إلى دمية. قبل فترة كتب على بريده الالكتروني: إذا حلمتَ، فلتكن أحلامك كبيرة.. قرأت عبارته. شُرتُ قليلاً. تذكرتُ تعليقاً لـ محمد ديبو: "تدخينك يغريني، لا تحلم كثيراً".. بدوري سحبتُ لفافة من علبة " البرلنت" الأزرق الرديء، قضمتها بشراهة، أكلت نصفها( كنت جائعاً) ثم انتظرتُ عدنان، انتظرت أحلامه الكبيرة... أظن أن الأحلام لم تعد بحاجة إلى الجهد. عدنان فلتكن أحلامك صغيرة، كي يكون ألمك صغيراً، أخشى عليك من الألم.
***
أحمد.. كتب في مدونته عبارة جميلة: "لا آلهة في معبدي، لا معلمين في مدرستي"، قَبْلَها كان قد كتب:" كل خطوة يخطوها الإنسان، ينتج عنها ضحية، ألا تبصرون النمل تحت أقدامكم"، لا أعرف ما إذا كانت هذه العبارات هي نتاج قلمه أم نتاج ذاكرته القارئة..لكن ما يهم أنها عبارات جميلة.. أحمد: المتسكع، المدخن، المبدع المبعثر، المجيد لجميع أنواع العادات السيئة، ارتكب ذات مرة خطأ السرقة، سأفشي هذا السر الآن: كان يحتاج إلى كتاب كمقرر في القسم، ولم يكن يملك ثمنها، فأضطر إلى سرقة الكتاب ممن هو أفقر حالاً منه، لعلكم تعرفونه، انه يدعى" اسكندر" ذلك الرجل المائل إلى السواد الذي يبيع الكتب المستعملة البالية في الحلبوني.. سرق الكتاب، وفر هارباً، وحسب ما يقول أحمد، فإن لعنة اسكندر لا تزال تلاحقه، إذ أنه لا يزال يحمل هذا المقرر، وسرقته لم تجدي نفعاً.. ترى لماذا يلجأ المبدع إلى السرقة؟..سأترك الإجابة لـ" اسكندر" ذلك المائل إلى السواد.
***
لماذا أكتب عن هذين الشخصين تحديداً بهذه الصورة المفككة؟ ألا توجد أفكار أخرى أطرحها؟... لا، أريد أن أعكس الواقع بهذه الصورة ، أريد أن أكون الواقع، أن أختبر صوتي، ألاّ أفكر هذه المرة.
***
آخر جملة سمعتها من أحدهما هي: "ينبغي عليّ أن أنتحر، ولتفعل العولمة فعلها"، صدقاً، لم أتأسف ولم أشعر بأي خوف عليه، فهو قرار صائب، لكن ما تأسفت عليه هو أنني لم أقل له: "أنت ميت أساساً، وهل ينتحر الموتى؟" .. في رواية موتى مبتدئون لـ سليم بركات، عدة أموات يبحثون عن خليج، وفي النهاية يعلمون من خلال صاحب المدية الصامت، أنه لا أحد في خليج مورتفيك. يا صديقي أنت لست أحداً. لا أحد.
***
الأحدُ وحده يعلم، كم من أحاد يموتون كل ليلة.
***
08-أيار-2021
03-تشرين الثاني-2013 | |
20-آب-2011 | |
30-تموز-2011 | |
06-تموز-2011 | |
12-حزيران-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |