أشرف ثورة في تاريخ مصر
2011-02-04
هل كان الرئيس مبارك يتصور أن الأطفال الذين ولدوا في عهده، وكبروا ليصبحوا شباب مصر الراهن، سيهدرون كالطوفان في مظاهرات تطالب برحيله؟ هل تهيأ ليوم كهذا؟ وهل درّب نفسَه، كرجل دولة، على الإنصات لنداء هذا الجيل واستيعاب لغته؟ أسئلة تُلحُّ على رأسي منذ ظهر الثلاثاء 25 يناير، عيد الشرطة الذي أصبح من الآن "يوم الغضب"، وحتى فجر الأحد، لحظة كتابة هذا المقال. وإجابة الأسئلة السابقة: "لا".
صمته أربعة أيام قبل إصداره بيانًا مقتضبًا، يؤكد هذه ال"لا"؛ لأن هذا التلكؤ جعل الثوار يرفعون سقف مطالبهم من "الإصلاح"، إلى "الإطاحة". البيانُ نفسه كذلك أكد تلك ال"لا"؛ فتأكيده ’ثلاث مرات‘ في خطاب مدته دقائق، على أنه رئيس الجمهورية وسيظل، ثم إقالته الحكومة؛ وإعلانه المكرور بدعم الفقراء (نفس العبارة منذ 30 عامًا، والفقراء يزدادون عددًا وفقرًا)، ثم توالي "عطاياه"، بمعدل "عطية/ كل ساعتين: تعيين نائب انتظرناه ثلاثين عامًا، إقالة أحمد عز محتكر ثروات مصر، من الأمانة العامة للحزب، كل هذا كشف استخفافه بعقول الشباب، ما جعلهم يستخفون بما ظنّه عطايا، مثلما استخفوا بقرار حظر التجوال، فواصلوا الليل بالنهار في ميدان التحرير، وتزايد عددهم من عشرة آلاف في اليوم الأول حتى كسر حاجز المائة ألف مع يوم الجمعة. الأداء الأمني، القمعي، بدل السياسي الرصين، وإطلاقه جحافل الأمن المركزي (الذين لن يلبثوا أن يتحولوا إلى ناهبي المتحف المصري) كل هذا يؤكد تلك ال"لا".
شباب مصر لا يعوزه الذكاء. فهم يدركون أن مبارك هو الذي عيَّن الوزارة التي أقالها، وهو الذي أتى بأحمد عز وحما نفوذه وباركَ احتكاراته، وأنه سمح بوجود المئات مثله في الحزب الحاكم ومؤسسات الدولة، ويعلمون أنه لجأ إلى عسكرة النظام، وجنح بمصر نحو مزيد من التضييق في الوقت الذي يتطلع فيه الشعب إلى الحرية والفكاك من أسر الديكتاتورية، وهو الذي انتعشت في عهده البطالة وتقنّنت المحسوبيات، وزادت الهوة بين موغلي الفقر، وخياليي الثراء.
كان الشعب ينتظر من رأس دولة محورية مثل مصر، أن يستوعب أن اللعبة قد تغيرت. وأن لاعبين جددًا دخلوا الحلبة، مسلّحين بطموحات شابّة، وإن بدا على السطح أن نظام مبارك قد أجهز على تلك الطموحات وقوّضها، بل ومزّق انتماء أولئك الشباب بوطنهم مصر. ثبت أن كل هذا غير صحيح. فقد قرر أولئك الشباب انتشال الوطن من مستنقع الفساد والرشوة والمحسوبية والظلم الاجتماعي ونهب الثروات. انتبه الشبابُ، إلى أنه من الجنون أن يجثم نظامٌ على بلد ثلاثين عامًا، مع حاشية أخفقت في حب الوطن والمواطن. شاخوا فوق مقاعدهم، فلم يعودوا يفرقون بين مصر وتطلعاتهم، بين ميزانية مصر وأرصدتهم في بنوك أوروبا، يمتلكون طائرات خاصة يهربون بها عندما تتأزم الأمور! وفي اللحظة التي أدرك فيها الشباب أن الرئيس يتجاهل قراءة مشاكلهم التي تتراكم عقدًا بعد عقد، قرروا الخروج في وقفة سلمية تطورت إلى أشرف ثورة في تاريخ مصر، وتعالت مطالبهم وتكثّفت في مطلب واحد، وحاسم لا فصال فيه: رحيل النظام.
فليس من ضمن دلائل استيعاب لغة التظاهر السلمي، إطلاق أنياب الشرطة لترويعهم وقتلهم بالقنابل المسيّلة للدموع، والرصاص المطاطي، والحي. كيف يمكن، إذن، لشعب يعانى من الجوع والبطالة أن يعبر عن رأيه؟ مئاتُ المقالات كتبها الكتّاب والمثقفون. عشرات المسيرات والاحتجاجات نظمها الناشطون. فماذا كان رد النظام؟ المزيد من القهر والتجويع والفساد والاحتكار والغلاء.
بديهيٌّ أن الترتيبات التي اتخذها الرئيس مبارك، ترافقت مع تحركات عالية المستوى في أمريكا، منذ بيان هيلاري كلينتون، وبيان المتحدث باسم البيت الأبيض، والاجتماعات التي عقدها رئيس الأركان سامي عنان مع مسئولين أمريكيين قبل استدعائه، واتصال أوباما بمبارك، ثم بيان أوباما نفسه. كل تلك البيانات كانت تؤكد أن فرصةً لا تزال أمام النظام المصري. ألا تشير تلك التحركات إلى أن مستقبل مصر يتم تخطيطه في أمريكا، حسب أجندة مصالحها الخاصة، بصرف النظر عن صالح المصريين؟ أثناء مرض الرئيس مبارك، عكست تقاريرُ كثيرة، ومقالات، قلق إسرائيل من التغيير الذي يمكن أن يحدث من بعده، فهل يمكن أن تكون يدُ إسرائيلَ بعيدةً عن إدارة هذه الأزمة، حتى وإن عبر وسطائها الأمريكان؟ خاصة أن أمن إسرائيل هو هدف أمريكا الأول؟ هل يقبل المصريون بذلك؟
أربكت ثورةُ الشباب موازين النظام، فلجأ إلى أدواته القديمة التي انتهت صلاحيتها: الترويع الأمني، وإطلاق السجناء والبلطجية المسجلين، وكذلك أفراد الأمن المركزي والشرطة السرية ليسرقوا وينهبوا، (لكي يضعنا النظام أمام معادلة ثنائية غير نبيلة: أنا، أو الفوضى الأمنية)، ثم الكذب الإعلامي الفجّ. ففي الوقت الذي كانت فيه الجموع تهدر في معظم مدن مصر، كانت القناة المصرية التي تتابع الأحداث تقول، على لسان المسئولين والمحافظين، إن كل شيء تمام! وإن ما يحدث لا يزيد عن خروج "فئة قليلة مندسّة" تعمل لحساب الغير، وقد تم السيطرة عليها! مذيعون كذوبون مضحكون، جعلوا "أحمد سعيد"، الذي أذاع بيانات النكسة، طفلاً بريئًا! غافلين عن أن الفضائيات العربية والعالمية تتابع الحدث لحظة بلحظة، وتعرض الصور التي تثبت أن ما يجري في مصر ثورة حقيقية، يقوم بها مجموعة من الشباب أجندتهم الوحيدة هي إنقاذ مصر. وأن ما نُشر من تغطيات ومقالات في صحف الحكومة يستحق المحاسبة والإقصاء لتصفية مصر من الأبواق والمهللين لأولياء نعمتهم. أولئك الذين لم يخبرونا، إذا كان كل شيء تمام، فلماذا تم قطع شبكة الإنترنت منذ بداية الثورة وحتى كتابة هذا المقال؟ ولماذا تم فصل شبكات المحمول في سابقة لن ينساها المصريون باعتبارها عنوانًا لقلة حيلة نظام استنفد مبررات وجوده منذ دهر؟
أظن أنني اليوم كسبت الرهان مع السيد كرم جبر، حين أخبرته في برنامج "90 دقيقة" أن الشعب يريد التغيير، فتهكّم قائلا إن خمسين فردًا يرفضون مبارك لا يمثلون الشعب المصري، فسألته مندهشة: كيف وأنتَ عضو بالحزب الوطني ولجنة سياساته، تكون منفصلاً عن نبض الشارع، فما كان منه إلا أن شتمني على الهواء أمام ملايين المشاهدين!
أتطلع إلى أن يُنشر هذا المقال، صباح الثلاثاء في اليوم السابع الورقي، وقد أشرق نهار جديدٌ حرٌّ على مصر.
جريدة اليوم السابع
08-أيار-2021
07-تشرين الأول-2017 | |
20-تموز-2014 | |
28-حزيران-2014 | |
18-حزيران-2014 | |
11-حزيران-2014 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |