الديمقراطيةُ تضيءُ جامعات مصر
خاص ألف
2011-03-25
الملكُ الحسن، الذي حكم المغربَ منذ 1961- 1999، (يا إلهي! ما أطول حكم الزعماء العرب!)، يُحكى أن شعبه سأله يومًا: "امنحْنا ديمقراطيةً مثل الممنوحة للفرنسيين!" فقال: "امنحوني شعبًا مثل شعب فرنسا، أمنحكم ديمقراطيةً مثل التي للفرنسيين!" العبارةُ ذاتها قالها السيد عمر سليمان قبل شهر، حين سألته مذيعة ABC: "هل تحبُّ الديمقراطية؟" فأجابها: "الكلُّ يحبُّ الديمقراطيةَ، لكن شعبَ مصرَ غيرُ مهيأ لها الآن." كلُّ زعماء العرب قالوا المعنى ذاته، بأسلوب أو بآخر. تلك العبارةُ المُرّةُ تحكي المأساة كلها. الحكّامُ العربُ يرون أننا لا نستحق الديمقراطية، لأننا غير مؤهلين لها! فإنما نحن في مرحلة "المراهقة الديمقراطية"، إن جاز التعبير، ولم ننضج بعد. نميلُ نحو الهمجية والغوغائية، أكثر مما نميل جهة التحضّر! لو مُنحنا الحريةَ سنسيء استخدامها، ونعيثُ في الأرض فسادًا! والحقُّ أنهم بهذا يضعون العربةَ أمام الحصان. لأن المَلكاتِ والنوازعَ تُفرز ثقافتها بنفسها. كما لا يصحُّ أن نعتبر الحريةَ منحةً تُمنح، بينما هي حقٌّ أصيل للإنسان، تولد معه، وتلازمه، ولا تموتُ بموته. إلا أن يُفرّط فيها الإنسانُ طواعيةً لحاكمه (لأن كل ديكتاتور هو صناعةٌ محلية على أيدي مقموعيه؛ كما حدث في متلازمة ستوكهولم!)، أو ينتزعها منه الحاكمُ الطاغيةُ. إلى أن يحدث ويقرر شعبٌ أن يستردّ حريته، كما حدث في تونس وفي ثورة مصر الشريفة، وقريبًا بإذن الله في بقية الدول العربية، المرزوءة بحكّامها. الديمقراطيةُ مراسٌ يفرزُ ثقافته مع الوقت. الشعوبُ المقموعةُ إن انتزعت حريّتها فجأة، قد ترتبك لبرهة، لكنها سرعان ما تنتظم مع سيادة دولة القانون. فالقانون يُحدُّ المخطئَ عن فعل الخطأ مرّةً ومرّات، ومع طول المراس، يصبحُ الصوابُ ثقافةً وعادةً، ويندر الخطأ.
وها هي الديمقراطيةُ تشعُّ بين أرجاء مصر، بعدما انتزعها الشعبُ من طاغيته في يناير. تشيع في المؤسسات الصحفية الحكومية التي لفظت رؤساءها من عرّابي النظام القديم. مثلما بدأت تشعُّ نورها على مدرجات جامعات مصر. تعلّم الطلابُ الشباب، من تلقاء أنفسهم، كيف يرفضون ويقولون "لا"، في رُقيّ ونبل، ويعتصمون في هدوء وجمال، حتى يعلنوا مطالبهم الغضّة الوثّابة نحو التحضّر. في "جامعة المستقبل"، بالقاهرة الجديدة، أنشأ الطلابُ صفحةً على فيس بوك، يرفضون فيها وجود اسم جمال مبارك إلى جوار عمرو موسى والبرادعي، في الاستفتاء الذي أطلقته الجامعةُ على موقعها الإلكتروني لاختيار شخصية الجيل. أعلن الطلابُ تبرأهم من الاستفتاء، ثم نظّموا مظاهرة راقية تطالب بعدة أمور: إنشاء اتحاد طلاب، عدم زيادة المصروفات، تطبيق نظام الساعات المعتمدة، إنشاء جريدة للجامعة، ومسجد للصلاة. وبادلتهم إدارةُ الجامعة رقيًّا برقي. فاجتمع كلٌّ من رئيسُ الجامعة ومالكها، مع الطلاب في مسرح الجامعة ليناقشوا مطالبهم، ثم وعدوا بالبدء في تنفيذها. هنا درسٌ راقٍ في الديمقراطية بدأه الأبناءُ وأكمل الآباءُ كتابتَه. سلوكٌ حضاريّ نرجو أن تحذو حذوَه إدارة كلية الإعلام بجامعة القاهرة، التي اعتصم طلابُها أيامًا طوالا وأضربوا عن الطعام حتى كادوا أن يهلكوا! مطالبين بإقالة مَن يرونهم من أذناب النظام السابق من رئيس الجامعة وعميد الكلية والوكلاء. على أن ينتخبوا تلك القيادات بأنفسهم من بين أعضاء هيئة التدريس. وكذلك تكوين اتحاد طلاب حر وتغيير اللائحة الطلابية. على مجلس الجامعة أن يدرك أن عقارب الساعة لا تعود للوراء منذ يناير، وأننا بالفعل بصدد مجتمع جديد لا يجوز فيه تجاهل الصوت بل احترامه ومناقشته. علينا أن ننصت إلى تلك الاعتصامات التي تنطلق كل يوم من قِبَل الطلاب وهيئات التدريس في جامعات مصر وأكاديمياتها. كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، أكاديمية الشروق، جامعة بنها وجنوب الوادي بأسوان والزقازيق وأسيوط وقناة السويس التي يعتصمُ طلابها حتى تنفيذ مطالبهم. الديمقراطيةُ التي ننشدُها لا تتجزأ. فإن رُمناها بين الحاكم والشعب، فعلينا إرساؤها في أرجاء المجتمع. طوبى لكلّ مُطالِب بحقّه. وطوبى لمَن يُنصتُ ولا يسيء استخدامَ سلطانه.
المصري اليوم
خاص ألف الكترونيا
08-أيار-2021
07-تشرين الأول-2017 | |
20-تموز-2014 | |
28-حزيران-2014 | |
18-حزيران-2014 | |
11-حزيران-2014 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |