قوس قزح وطبيعة الإنسان
2011-04-05
الطبيعة والإنسان
كنت مع زوجتي وأولادي الصبيان والبنات نتابع على التلفزيون فيلماً أجنبياً، بطلته صبية في أوائل العشرينيات من العمر. طالبة جامعية جميلة مثل الكريم كرميل، وشفافة كقطعة الكريستال. لا يطاوعك قلبك لرقتها أن تضربها بكمشة ياسمين. أما زميلها الوسيم الجذاب مثل عرق السيسبان، فكان ألعوباً، منطوِطاً من بنت إلى بنت، ومن صبية إلى صبية، ولا هم له سوى ملذاته الشخصية.
ويشاء الطفل الصغير الذي كانت الأساطير اليونانية تسميه (كيوبيد) إله الحب، وتصوره اللوحات الفنية وهو يحمل جعبة من السهام، يطلقها على الناس كالقصف العشوائي، لأنه طفل صغير لا يقدّر العواقب، فيصيب الذكور والإناث بسهامه تلك. وهات يا حب ويا غرام، وسعادة وفرح وتعاسة وشقاء ودموع.
سهم كيوبيد أصاب بطل وبطلة الفيلم الإفرنجي. فيتحول الشاب العابث إلى إنسان راكز، كله عاطفة وإنسانية وحنان. لكن الفتاة الملائكية الوجه والسلوك الحسن، لا تريد أن تخدع حبيبها، فتكشف له أنها مصابة بسرطان الدم. وتبدأ التراجيديا في الفيلم. إلى أن تنتهي بموت تلك الإنسانة العذب اللطيف.
تعمدت ألا ألتفت إلى زوجتي وأولادي، حتى لا يلمحوا الدموع على خدودي. لكني فوجئت بهم جميعاً، وبيد كل منهم محرمتين كلينكس لمسح الدموع التي كانت تكرج من عيونهم كمطر آذار.
ما أقسى الطبيعة عندما تنال من المخلوقات. فتسوق إليهم الأوبئة والأمراض والسيول والزلازل والبراكين، وما نسميه بالكوارث الطبيعية. ولكننا بحسبة حيادية نكتشف كم هي رحيمة قسوة الطبيعة أمام قسوة الإنسان الذي كلما تقدم بالعلم بالغ بامتلاك وسائل الموت.
منذ أول جريمة في تاريخ البشرية، عندما قتل قابيل أخاه هابيل، على ما جاء في الكتب، وحتى آخر جريمة قتل فردية في أية بقعة من العالم بسلاح فردي، وما بين تينك الجريمتين، من يستطيع أن يحصي قسوة الإنسان؟ وأية ثورات وحروب صنعها الإنسان على مر العصور؟
ولو أن للكرة الأرضية ذاكرة ووسيلة تدوين، لكان في مذكراتها أن هذا الإنسان، منذ أن وجد على سطحها، لم يدعها ترتاح يوماً واحداً، وأنه كلما ازداد علماً وتحضراً ازداد قدرة على القتل والتدمير.
بداية. كان رجل لرجل. قبيلة لقبيلة. زنقة لزنقة. عشيرة لعشيرة. ثم اكتشف الإنسان السلاح، وتفنن به، فصار رجل لخمسة رجال، لعشرة لمئة، لمدينة بأكملها يدمرها بكبسة زر وهو يمج نفساً من دخان (سيكارته).
وهل ننسى الحربين الكونيتين الأولى والثانية؟ وهل ننسى القنبلتين الذريتين اللتين ألقيتا على مدينتي هيروشيما وناغازاكي؟ وما سببتا من قتل فوري، وما تلاهما من آثار لسنوات طويلة، وقتل مؤجل؟
الطبيعة رغم كل قسوتها رحيمة أمام ما يفعله الإنسان.
الزلزال الذي قامت به الطبيعة مؤخراً في اليابان، قد ابتلع عشرات أو مئات الأشخاص. ليس هناك إحصاء لهذا. إنه مجرد ثوان وانتهى الأمر. لكن المفاعل النووي الذي تأثر بالزلزال هو الذي كانت ضحاياه آلاف القتلى والمفقودين والعاطلين عن العمل، وما لا يحصى من الآثار الآنية والمستقبلية الكارثية على الأشخاص والحيوانات والأسماك والنباتات والبيئة والمياه والهواء. ولعل مفاعل تشيرنوبل، لم تغادر آثاره ذاكرة الكرة الأرضية بعد.
الطبيعة مهما قست، لا يمكن أن تدمر كل شيء مرة واحدة. لكن مخزون الأسلحة العالمية يكفي لتدمير الكرة الأرضية عدة مرات قبل أن ينهي الواحد منا شربة الماء التي بين يديه.
الألوان
قال لصاحبه وهو يحاوره: هل تعرف «فلان»؟ أجاب: أعرفه جيداً سأل: ما مذهبه؟ قال: عربي سوري، كرر السؤال: أسألك عن المذهب،
لأنه تقدم لخطبة إحدى قريباتي، ولا نعرف عنه أي شيء، ولعلمك فقريبتي هذي بنت واعية وحلوة وكربوجة وتقدس الحياة الزوجية، رد عليه صاحبه: إذا كان الأمر يتعلق بخطبة وزواج فسأعطيك عنه تقريراً مفصلاً: فاسمع يا صاحبي.
فلان هذا، أولاً وأخيراً وقبل أي شيء عربي سوري، مستقيم ودغري، لم يدخل جيبه قرش حرام، مثقف، يناقش في كل الموضوعات، والمرة التي تطرق إلى موضوع الدين سمعته يقول: الجنة كما وصفها القرآن الكريم، عرضها السموات والأرض، إذاً فهي تتسع لكل الخلق، وتستوعب الجميع، من كل الأديان والمذاهب والفرق والشيع، لأن جميع الخلق هم أبناء الله، فهي أي الجنة، كالوطن، يتسع لكل أبنائه، بجميع ألوانهم ومعتقداتهم وأطيافهم، فهو أي الوطن، هذا الموزاييك الجميل الذي تختلف ألوانه ولا تتنافر، تتجاور فيه الألوان دون أن يشوش لون على آخر، تماماً كالوحة الفنية التي يصنع تكاملها ذلك الهارموني الرائع من انسجام الألوان المتعددة، دون أن يلغي لون لوناً آخر.
ويا صاحبي، أريد أن أضيف شيئاً من عندي، وأنت تعرف اهتمامي بالفن التشكيلي، وولعي بالألوان، ولعلك، بل من المؤكد أنك رأيت ما يسمى بقوس القزح ينتصب في السماء، ولعل جماله قد جعلك تحدق فيه طويلاً، فهل تعرف مم يتألف قوس قزح؟ قال: لا أعرف، بل أنت الرسام المولع بالألوان، فزدني علماً، قال: قوس القزح يتألف من الأحمر، البرتقالي، الأصفر، الأخضر، الأزرق، البنفسجي، النيلي، وهي ألوان مختلفة ومتجاورة وحسب نظرية عالم الفيزياء نيوتن، فإنك إذا مزجت هذه الألوان مع بعضها بعضاً، فستحصل على اللون الأبيض، وتعرف أيضاً أن الأبيض هو لون النقاء والسلام.
قال: يا صاحبي، أسألك عن فلان من أجل المصاهرة، فتقدم لي بحثاً في الألوان، أجاب: اسمع يا صاحبي، الفتاة عندنا تسعى للزواج، وبعدها تتخوف من الطلاق، وفلان هذا الذي تسأل عنه، إضافة إلى أنه ودود وكريم ومخلص ومنفتح، لم يفرط مرة بأي شخص بسبب خلاف في الرأي أو المعتقد، وإذا حصل النصيب بينه وبين قريبتك الواعية التي تقدس الحياة الزوجية، وحصل بينهما أي خلاف أو مشكلات مما تصيب الأزواج التي قد تؤدي إلى الانفصال، فإن هذا الفلان مهما حصل بينه وبين زوجته من خلاف، لن يفرط أحدهما بالآخر، ولن يدج أي منهما على قرينه يمين الطلاق.
08-أيار-2021
29-شباط-2020 | |
01-شباط-2020 | |
14-كانون الأول-2019 | |
27-نيسان-2019 | |
23-آذار-2019 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |