في مسرحية "بيتُ الدُّمية"، التحفة الأدبية التي كتبها النرويجي هنريك إبسِن عام 1879، قررت "نورا" أن تهجر بيت الزوجية، بعدما اكتشفت أن زوجها المحبّ الذي يدلّلها، يعاملها كأنها دُميةٌ جميلة، لكن بلا عقل، أو عصفورٌ مغرّد، لكن بلا قرار. خرجت وصفقت وراءها الباب صفقةً مدوّية، اهتزت لها أركانُ العالم، فصفّق لها الجمهورُ في كافة أرجاء الأرض. ومن يومها أُعيد النظرُ إلى المرأة باعتبارها إنسانًا عاقلاً يستحق الاحترام ويملك قرارَه، لا دميةَ ماريونيت مربوطة بخيوط في يد الرجل يحرّكها كيفما شاء.
وفي أفغانستان، ثمة فتاةٌ اسمها "عائشة"، من قبيلة "تركمان"، عمرها 18 عامًا، قررت أن تطير أيضًا، مثلما طارت "نورا" من بيت الزوجية. ليس ضجرًا من التدليل، بل فرارًا من قسوة زوجها الذي يسومها وأهله يوميًّا ألوان العذاب من ضرب وإهانة. لكن مصيرها لم يكن مثل مصير بطلة مسرحية هنريك إبسن. لم يصفق لها أحدٌ، بل صفّقت النصالُ على النصالِ فوق رأسها الصغير البائس. قرر زعيمٌ بحركة طالبان قطع أنفها وأذنيها. وتصدّر وجهُها الجميل مجدوعُ الأنف أغلفةَ مجلات العالم، لتكون شاهدًا على بطش الإنسان بالإنسان، فقط لأن أحدهما يملك خنجرًا وجبروتًا، والآخر أعزلُ ضعيفٌ لا حول له ولا قوة! والمدهش أن الباطشَ يبطش ملوّحًا بكارت الدين، وباسم السماء الراقية الحنون، تلك التي، دون شك، تبكي على ما نفعله، نحن البشر، على أرضها! تتألم السماءُ حين ترى الإنسانَ الذي كرمه اللهُ تعالى، يُسيّد قانونَ "البقاء للأقوى" الذي يحكم ممالكَ الغابة وعشوائيات الهمجية!

وفي الرياض، قايض مُسنٌّ سعوديٌّ زوجتَه. حريّتها مقابل جزء من جسدها! إذْ ذكرت صحيفة "عكاظ" أنه بعد مضي شهرين على زواج مواطن ستيني من امرأة شابة، وجد الزوج أنه لابد من الفراق بعدما امتنعت الزوجة "الجديدة" عن تلبية مطالبه الجسدية؛ ربما بسبب الفارق الهائل بين عمريهما. على أن الزوج "الطيب" طرح على زوجته شرطاً للطلاق: هو تبرعها له بإحدى كليتيها، ذاك أن عائلتها الفقيرة لن تقدر على إرجاع المهر!
وفي إيران، وأد شابٌّ أخته الصبيةَ حيّةً، لأنها أحبت جارًا لها! وفيديو الدفن البشع موجود على يوتيوب، وهي تستعطفه وتُقبّل قدميه أن يمنحها الحياة، حاشا لله مانح الحياة وحده، وقابضها، لا شريك له.
وفي السودان ظل رجال البوليس يجلدون فتاةً ثمانين جلدة بالسياط، وهي تتلوى ألمًا ووجعًا أمام ضحكاتهم، لأنها تجاسرت وارتدت بنطالاً!!!!!
وفي مصر الحبيبة، حماها اللهُ من أعداء الحياة، قام أكثر من 300 سلفيّ متطرف بقذف سيدة من المنوفية بالحجارة، ثم أضرموا النيران بمنزلها، وتوعدوها بالقتل. ذاك أنهم، كعادتهم، يقومون بدور الشاهد، والقاضي، والجلاد، في آن! هم وحدهم الجهةُ التشريعية والقضائية والتنفيذية، دون الدولة، لأن في يدهم سكينًا، وفي قلوبهم يقينًا بأنهم الأفضلُ والأحكمُ والأعلم! وقد رأوا أن سلوكها لا يروق لهم، فقاموا بتنفيذ أحكامهم فيها، كأننا في بلد بلا قانون! وربما يتكئون على المبدأ العبقري "المريح" الذي طرحه السيد عبود الزمر ساعة ظهوره في برنامج العاشرة مساءً حين قال إنهم، السلفيين الإسلاميين، يقومون بتنفيذ ما يرونه مناسبًا وشرعيًّا من قتل مَن يختلفون معه، فإن أصابوا، لهم أجران، وإن أخطئوا، لا سمح الله، فلهم أجرٌ واحد، هو أجر الاجتهاد! يعني هم مُثابون مُثابون، سواءً ما فعلوه حقٌّ أم باطل!! قتلوا السادات، لأنه أساء إليهم، ويضمنون لقاء هذا الجنةَ، بإذن الله، سواءً كان السادات بريئًا أم مذنبًا. فقط لو كان بريئًا، لا قدر الله، فإن أجرهم سيُنتقَص قليلاً فيغدو واحدًا، بدل اثنين!
وفي قنا، بجنوب مصر، قامت مجموعةٌ، أيضًا من السلفيين، بتطبيق الحدّ بقطع أُذُن أحد أقباط مصر، لأنهم "اشتبهوا" في سلوكه! أوسعوه ضربًا و"بهدلةً" وأضرموا النار في سيارته وشقته، فتركوهما كتلةً من الفحم. الشقة التي كانت مصدر دخله يقيم أود أسرته مقابل تأجيرها، وحرموا أطفاله من النوم والذهاب إلى المدرسة، وزوجته من الذهاب إلى عملها، بعدما هددوا باختطافهم! لكن القوات المسلحة، ورجال الدين الإسلامي، جازاهم اللهُ خيرًا، أقنعوا المواطنَ المصري أيمن أنور ديمتري، مجدوعَ الأذُن، بأن يتنازل عن حقّه في مقاضاة مَن هدموا حياته وشوّهوا جسده وسمعته. والأخطر مَن أهرقوا شعورَه، وشعور ملايين الأقباط، بالأمان في وطنهم. كيف اقتنع؟! هل اقتنع أم أُجبِر على الاقتناع؟ وإن كان اقتنع بالتنازل عن حقه، فأين حق المجتمع؟ هل تنازل المجتمعُ المصريُّ كلّه عن حقه في الحياة بأمان؟ أنا مثلا لم أتنازل، بوصفي أحد أفراد هذا المجتمع!
سأكون حسنةَ النية وأقول إنه اقتنع بالصلح، لأن الصلحَ خير، كما نعلم، خصوصًا إذا اعتذر الجاني، أو حتى لو لم يعتذر. فأولئك لا يعتذرون! ولأن الصلح خير، ولأن الأقباط مواطنون من الدرجة الثانية في مصر، إن هم إلا ضيوفٌ علينا، نحن المسلمين والعرب أصحاب البلد(!!) فإن الفرصة لا تزال أمامهم ليلحقوا بنا فينعموا بالرغد والأمان، مثلما ننعم نحن، إن كّنا ننعم! أما لو تمسّكوا بعُرْوَتهم الوثقى، فإن عليهم، بعد تنازل السيد أيمن، أن يلزموا بيوتهم، وأن يقيموا صلواتهم في الخفاء، بعيدًا عن عيوننا، نحن أبناء دين السماحة! طالما لبعضنا مفهومٌ آخر، ومشوّه، عن السماحة وحرية الاعتقاد وحقوق المواطنة، كما تقرّها الشرائعُ والدساتير. ليت أحدًا يخبرهم أنهم يرسمون للإسلام، صورةً مسيئةً، ومجحفة، ومخيفة.
أيها المصريون، تحسسوا أنوفكم وآذانكم، ورقابكم، قبل أن تفقدوها عمّا قريب.
جريدة اليوم السابع
خاص ألكترونيا