قاسيون .. الجبل المقدس
2008-05-10
لكل مدينة من العالم كهنوتها الخاص وجوها الميثيولوجي المفترض والذي استطاعت بناءه عبر ألاف السنين وعبر الذاكرة الجمعية لشعبها ،في تركيب الأسطورة حجراً فوق حجر حتى تصبح مدينتهم مركزاً للعالم وقطباً يبرر وجودهم فيها رغم كل الصعوبات..
وهذا ما حدث فعلاً في مدن كثيرة عبر التاريخ مثل أثينا و طيبة وبابل وروما وهذه التجارب هي التجارب الأكثر شهرة عبر الزمان ولكن حتى بقية المدن التي عاصرت التاريخ منذ زمن لديها نفس الخاصية ..وأنني أجزم أن مدن الشرق القديم كلها لديها أكروبولها الديني إن جازالتعبير. وسأضرب مثال واضح يتعلق بالجبال ،فلكل مدينة ذات مركزية معينة جبلها المقدس والذي يتنسك فيه رهبانها ويتوه فيه أبطالها وتحدث على سفوحه المعجزات والنبوءات ..مثل أبو غنيم في القدس والأوليمب في أثينا و قاسيون في دمشق ...ولكن للأسف لم تتح التجربة الكتابية لسكان دمشق كتابة أسطورة تتعلق بجبلها أو حياكة فلسفة مرتبطة به ..ولكن المتتبع للميثيولوجيا
الشفهية المروية عن قاسيون يلاحظ تراكب عناصر معينة وشروط خاصة تجعله يتميز عن أي جبل عادي أخر ...فقاسيون الجبل بنيت على سفوحه مدينة عرفت منذ أقدم العصور وعرفت تقريباً كل ديانات الشرق ودانت لأغلب أحداث العصر فكان من الطبيعي أن ينعكس عليها ما ينطبق على غيرها من معاصراتها من المدن ..!وهذا ما كان فالدمشقيون يعتقدون بأن أغلب أحداث الميثيولوجيا الالشرقية حدثت في جبلهم ففي منحدره الشرقي نزل آدم من السماء الى الأرض وبالتالي كان مكان نزوله مقدساً وفي مغارة من مغره قتل هابيل قابيل وفغر الجبل فاهه ونزلت من الصخر دمعة لا تزال تنزل حتى الآن في قصة مروية لحد الآن .
وفي سفوح قاسيون يوجد مرقد النبي موسى عليه السلام ،وفيها كهف جبريل حيث قدم الملك جبريل العزاء لآدم بأولاده فيه ..وفي النيرب أقامت حنة أم لسيدة مريم عليها السلام وجدة السيد المسيح لفترة ...ولذلك استوطن فيه الأتقياء من آل قدامة من فلسطين حين قدموا دمشق وبنوا فيه حي الصالحية ..من الصلاح ..وإليه لجأ المهجرون من مسلمي الدولة العثمانية وبنوا حي المهاجرين ..وكل هذه دلالات على التبرك والفخر بالتقرب من مكان مقدس ...وفي سفحه القريب دفن الشيخ الأكبر الشيخ محي الدين بن عربي قادماً من الأندلس .
كل هذه الإشارات تدل على وقوع الجبل في منطقة قدسية معينة في قلوب سكان المدينة الذين كانوا يتحينون الفرصة مثلهم مثل بقية شعوب المتوسط في الربيع للخروج والتسلق الى سفوحه ووديانه لقضاء احتفالاتهم البسيطة فكانوا يخرجون الى الربوة أو الى دمر ،واستمر الفعل حتى يومنا هذا بخروجهم في يوم الجمعة المقدس وافتراشهم الأرض قرب ضريح الشهيد والذي لايخلو موقعه من رمزية معينة أو من الصعود الى أعلى الجبل لمشاهدة المدينة من الأعلى ...
كل هذه الأفعال تعبر بشكل أو بآخر عن تراكمات مثيولوجية وذاكرة شفهية نقلت عبر الأزمان لدى أبناء هذه المدينة في محاولة منهم لخلق أسطورتهم الخاصة والمتمثلة في بناء قدسية خاصة لهم يكون الجبل فيها هو المركز ،فإذا أضفنا النهر والغابة المسماة بالغوطة والمعبد المقدس المبني في مركزها والذي تعاقبت عليه ديانات كثيرة وصولاً الى الإسلام..اكتشفنا مدينة تفتخر بجبلها الذي اشتق اسمه من الآرامية والذي يعني القسوة ..والقسوة هنا توازي الرهبة أو الخوف ..وهي صفات تطلق على المكان الذي يراد له ألا يكون متوفراً إلا للأنبياء والأولياء ،أو للاحتفالات الجمعية .
08-أيار-2021
27-تموز-2012 | |
18-كانون الثاني-2012 | |
08-كانون الثاني-2011 | |
20-كانون الأول-2010 | |
06-تموز-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |