مجازفاتٌ في حقائقَ غائبة (2)
خاص ألف
2011-05-07
كلُ شيءَ يُنبئُ بِما سأُجازِفُ في نُطقهِ الآنْ، لكن لا شيءَ يَمدَحُني حَقّاً، ولا شيءَ يُكمِّمُ حُنجرتي أيضاً، فالحقيقةُ ماءٌ دافِقٌ مِن دونِ لونْ. لذا، أنا لا أخشى أحداً.
أعتذرُ مِن كُلِّ أُذنٍ تَمنَحُني الآن قِسطاً مِن السَمعِ- أمامي- فأنا سأتَقَمَّصُ شَخصَ نَبيٍ عارٍ من النبوَّة، يُشاكِسُ اللغةَ تارةً والفَلسفةَ تارةً أُخرى؛ أنا هو هذا الذي يَقبعُ أمامَكم بِكاملِ عَبَثيته وفَوضاه؛ بِكاملِ أقنعتهِ؛ بكامل نَقصهِ، بل بِكاملِ جَهله.
المجازفة الثالثة:( اللهُ الـ كُنْ فيكون، وعقلي الحرُّ الممكن)
أنا موقفٌ حرٌّ من الوجود( هذا ما أريدُ أن أنطلقَ منه). أنا جزءٌ من الوجود( هذا ما تمليه عليَّ الأجزاء الأخرى). بل ربما أنا الوجود برمته( هذا ما يفرضانهُ عقلي الحرّ وغياب الحقيقة).
أنا الوحيد الموجود حقاً. أنا حرّ ، لكن، عذراً... ثمة صدى يتردد في دخيلتي الآن، يقول: ما تسمّيه عقلاً حرّاً، أُسميّه مهزلة! أكثر ما يقلقني الآن هو احتمال أن يكون صوابي خاطئاً، قد أكون واثقاً مما أقول، وأراه حقاً؛ لكن، ماذا لو كنتُ أدافعُ عن خطأ يكاد يكون كاملاً؟ هل ثمة من يؤكد صوابيته؟ مَن القاضي هنا؟ أليس ممكناً أن يكون دفاعي عن فكرة إساءة لها؟ إذن، أنا المسيء؛ أنا الذي يبحث عن الحقائق وأنا الذي يفسدها.
كلُ ما هو أمامي حقيقي بذاته بمعزلٍ عني؛ بمعزل عن الآخر. ثمة عنصران يتداخلان في الإساءة إلى الشيء كحقيقة هما: العقل واللغة.. العقل الحرّ، واللغة الحرّة!، وهما اللذان يقودان إلى تكوين رؤيةً حرّة، وما مِن رؤيةٍ إلا وتحمل بين جناحيها دحضها؛ ما مِن رؤيةٍ إلا وفيها فسحة للموت، الموت دائماً، ماذا يعني؟ أهي دعوة إلى التقهقر؟ أهي دعوة إلى الموت؟ لا أعلم! لا أعلم! ..
الحرية تنتهك حقوقي!: من حقي أن اطمئن؛ أن استقر. يا الهي! ماذا أفعل الآن؟ إنني أرى الروعة في الخطأ والصواب معاً، لأنني حرّ ..
الحريةُ تقيّدني بنفسها: أنا مصرٌّ على أن أكون حرّاً؛ أن أكونَ ملتزماً بحرّيتي، الالتزام قيد، حرّيتي تقيّدٌ بها ..
أنا حرّ، وحرّيتي هي حرّية التجوال بين القيود: أنا -فقط- جوّالٌ حرّ، لستُ حرّاً، أنا نظامٌ محكومٌ بأنظمة؛ بقوانين؛ بسنن إلهية موضوعة سابقاً لا تقبل التبديل، وحرّيتي هي كيفية التحرك بين تلك السنن؛ القيود.. أنا حرٌّ في اختيار قيدٍ لي، وحريتي هي وعيٌ أقتنعُ فيه: بأنني لستُ حرّاً..
في البدء كانت الكلمة، في البدء كان الـ كُنْ فيكون، أنا جزء من معرفة الـ كُنْ؛ أنا كائن؛ أنا نقص، عقلي جزء من هذا النقص، حرّيتي جزء من هذا العقل؛ حريتي نقص في نقص، النقص أقرب إلى الخطأ، حرّيتي أقرب إلى الخطأ، عقلي الحرّ حرٌّ في اختيار أحد الأخطاء، حرّيتي توغلٌ في الخطأ ..
الحقيقةُ لا ترغب في أن تكون حرّيتي صائبة .. أنا خاطئٌ، لستُ حرّاً .. وعيُ الحقيقةِ وحده حرّ، والتحرر من خطأ الحرّية هو التشبث بمنهج الحقيقة؛ بمنهج (الله). أهذا صحيح؟ ..الصوتُ المنتفضُ في داخلي يقول: منهجُ الله ليس حقيقة، هو أقرب الفرضيات إليها، هو رغبةٌ من الحقيقة في أن يكون حقاً.. العبودية للحقيقة تحرر .. أنا الآن حرّ .. أنا الآن حيٌ مطمئن .. الآن، أجملُ ما فيّ وأقبح ما فيّ حرّيتي التي تمتحن حقيقتي ..
أهذا ما أراه ؟.. هيّا، تقيئوا مما أراه حقاً إن شئتم! لأتخذ من تقيؤكم فرضيةً على إنكم أحرار .. فرضية، فرضية وليست حقيقة .. أنا إنسان، وإنسانيتي تقتضي: أن ما أراهُ يمكن أن يكون حقاً؛ لكن من الحق أيضاً أن أتركَ لكَ فسحة للشك بحقي؛ لأنني إنسان؛ لأنني حرّ مقيّد، لأن الحقيقة غائبة.
* الفكرة الواحدة أشبه ما تكون بزهرة تقبل ترّهات جميع الأنوف.
* الشمس لا تزال سخية تدفئ جسدي، والذي لا يعرفها يخشى منها على وجهه، فيحتمي بغطاء.
* العالم حولي أشبه بالأنثى؛ بالرحم، لا أجد أمامي شيئاً ذكورياً. استدرْ! هل ترى شيئاً ؟ الفكرة أنثى.
* أنا لا أثق بما تراه صواباً؛ بما تحكم على انه صواب، الصوابُ من أكثر الأخطاء شيوعاً. أنا محكوم بقوانين العادة؛ فالكذب حينما يشيخ بيننا يُحال إلى صدق، والخطأ حينما يُعاش مجتمعياً يُحال إلى صواب. أنا سلسلةُ أخطاءٍ بارعة بمعزلٍ عن منهج الحقيقة( الله)، والمسألة تكمن في قوة البراهين، أنا مجبرٌ على أن اصدّق الكذب إذا كان لديه براهين كافية على انه صدق؛ كما أنني مجبرٌ على تكذيب الصدق إذا كانت براهينه واهية ضحلة،كذلك الصواب والخطأ.
* أنا ناقص، الحقيقة كاملة، الـ ممكن ناقص، الـ يجب كامل، إذن، أنا شبيه بالممكن، ما الذي يدفع إلى الحكم ؟.
* الشيخوخةُ التي تنبضُ في داخلي الآن تلّتفت إلى الوراء فلا ترى سوى ضباب من الفرضيات، الفرضية مؤلمة؛ إلا أنها تمنحني الحياة .
* الحقيقةُ التي لا ترغب إلا أن أكونَ ممكناً في ممكن؛ هي نفسها التي لم تكتفِ بعقيدة واحدة، بمنهج واحد؛ لأن الحياة ممكنة.
عقلي يقولُ لي الآن: أنا سؤالٌ؛ أنا ممكنٌ؛ أنا فرضيةٌ؛ أنا.. مَن أنا؟.
المجازفة الرابعة: ( مجازفاتٌ باقتضاب )
* الوردةُ لا تعلم متى ستذبل، والبقرةُ لا تعلمُ أنها شاخت( الزمن عقلي).
*لا أستطيعُ أن أكون كالإبرة، أُكسي الآخرين وأنا عارٍ ( ابحثْ لكنك لن ترى عادلاً).
* إن الأرضَ التي منحتني نورَ الشمس قبل لحظات، هي نفسها التي تحجبه عني الآن، والنول الذي يُنتجُ الخيط الأبيض هو نفسه الذي ينتج الأسود أيضاً( لا تنفي شيئاً).
أخيراً.. لا شيءَ يمدحني حقاً، ولا شيءَ يُكمِّمُ حنجرتي أيضاً ، فالحقيقةُ ماءٌ دافقٌ من دون لون...أما الآن، فعليَّ أن أشعلَ ناراً مستديرةً، وأبسطَ معطفي، وأنام بلا ملل؛ أقولُ: أنام بلا ملل.
08-أيار-2021
03-تشرين الثاني-2013 | |
20-آب-2011 | |
30-تموز-2011 | |
06-تموز-2011 | |
12-حزيران-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |