ريشةٌ أمام كلِّ بيت
2011-05-21
غضب فلاحٌ من صديقه فقذفه بكلمة جارحة. ثم عاد إلى داره، وبعدما هدأ ندم على ما قال. فهبّ من فوره واعتذر لصديقه، وتقبّل الصديقُ اعتذاره. لكن الفلاح لم يسامح نفسه، فذهب إلى حكيم القرية وقال: أيها الحكيم، أودّ أن تستريح نفسي، فلستُ أصدق أن كلمةً كتلك خرجت من فمي!" قال له الحكيم: إن أردت أن تستريح فاملأْ جعبتك بريش الطير، واعبرْ على كل بيوت القرية، وضعْ ريشةً أمام كل بيت. نفذ الفلاح ما قيل له، ثم عاد إلى الحكيم مستبشرًا. قال له الحكيم: الآن عُدْ واجمعْ الريش من أمام الأبواب. عاد الفلاح فوجد الرياح قد حملت الريش وذهبت، ولم يتبق إلا القليلُ من الريش، فعاد حزينًا. عندئذ قال له الحكيم: كل كلمة تنطق بها أشبه بريشه تضعها أمام بيت أخيك، ما أسهل أن تفعل هذا! ولكن ما أصعب أن تردَّ الكلماتَ إلى فمك. عليك إذن أن تمسكَ لسانك، أو الآن تجمع الريش كلَّه.
ثمة رجلٌ، أصبح من أشهر شخوص الانترنت! لكنه شهرته للأسف جاءت من الظلام لا من النور. يحمل سمتَ السلفيين، بجلبابهم الأبيض، ولحاهم المُشعثة، وزبيبة الصلاة بعرض الجبهة، وما هو بسلفي! السلفيُّ، الذي يتمثّل أخلاق السلف وسلوكهم لا يسبّ الناسَ ولا يروّع الآمنين ولا يحرق دور العبادة! كيف لسلفيّ ألا يتمثّل أخلاق الرسول في مراقبة لسانه في كل كلمة يتفوه بها، قد تشعل النار في الدور الآمنة، وتحرق قلوب الناس حزنًا وفرقًا؟! كيف لا يتمثل سلوكَ الرسول حين غاب اليهوديُّ الذي دأب على إيذائه كل نهار، فافتقده الرسول وراح يسأل عنه، لئلا يكون مكروهٌ قد أصابه؟ وكيف لا يحاكي أخلاق السامريّ الصالح حين ساعد عدوًّا له؟! لكن هذا سمح لنفسه أن يسبّ أقباطَ مصرَ، ورمزًا دينيًّا يعتز به المصريون، مسلمين ومسيحيين، كونه رأس الكرازة المرقسية بالإسكندرية، أعرق كراسي البابوية في العالم! ثم قال بالحرف: "منبقاش رجالة لو ما ولعنا كل كنايس إمبابة"! كان وراءه نفرٌ يشبهونه، عمل على تعبئتهم وتهييج مشاعرهم بكلام مسموم مقزّز. لكنْ، والحمد لله، لم يرُق كلامُ هذا الرجل لمسلم واحد، بدليل كمّ الانتقادات المهول من قِبل المسلمين قبل المسيحيين. هذا هو وعيُ الشعب المصري الرفيع الذي نراهن عليه، والذي لن يخذلنا أبدًا إن شاء الله. قال الرجل كلامًا كثيرًا حول امتلاء الكنائس بالأسلحة! وتلك إحدى تجليات التصريحات المريرة التي أكدّها د. سليم العوّا، فسببت لمصر كوارثَ وأحداثًا مؤسفة، ما كان أحوجنا إلى تجنّبها. لكن د.العوّا عاد وتراجع عن تصريحاته، لكن بعد اشتعال النيران. تمامًا مثلما تراجع هذا الرجل عن وعيده وتهديداته قائلاً بالحرف: "أُشيع عني أنني أدعو لحرق الكنائس بإمبابة! كيف يقول هذا سلفيٌّ تربى على السلفية وقد نهانا النبيُّ عن قتل نفس واحدة؟" هكذا ببساطة؟! يا عزيزي الكلمةُ التي تخرج من الفم لا تعود! والكذبُ حرام! إشعالُ البلدان بالفتن سهلٌ فيما يبدو، لكن استرجاع السَّفه الذي يخرج من أفواهنا ليس بالسهولة التي يظنها الناس. هكذا يتراجع مشعلو الفتن عن أقوالهم في لحظة بعدما يؤججون النيران! تمامًا مثلما عاد "الشيخ" حسين يعقوب عن أقواله في "غزوة الصناديق" قائلاً إنه كان يمزح! يا هذا ويا ذاك، مصرُ الآن تحاول أن تتعافى من جراحِها، وليست مؤهلةً، صحيًّا ولا نفسيًّا، على تحمّّل مثل تلك المزاحات الثقيلة والأكاذيب السخيفة. لن تسامحكم مصرُ، ولا التاريخُ، وقبلهما، لن يسامحكم اللهُ، القائل في كتابه: "كبُرت كلمةٌ تخرجُ من أفواههم، إن يقولون إلا كذبًا". وأقول مع الشيخ المستنير د. أسامة القوصي: "اللهم لا تحاسبنا بما فعل السفهاءُ منّا" !
النشر الورقي جريدة المصري اليوم
08-أيار-2021
07-تشرين الأول-2017 | |
20-تموز-2014 | |
28-حزيران-2014 | |
18-حزيران-2014 | |
11-حزيران-2014 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |