عن أبي العلاء والسؤال الصعب
2011-05-24
السؤال الصعب
قال له مَنْ أنت؟ فاجأه السؤال، مع أنه اعتاد على أسئلة غريبة عجيبة من هذا الرجل. فأجابه أنا وائل. قال لو سألت أي طفل لأجابني هذا الجواب. أما أنت الذي تقرأ الكتب وتتابع نشرات الأخبار، فتعطيني هذا الجواب؟
ومع ذلك يا وائل. هذا اسمك، وليس أنت. قال أنا.. لكن الرجل قاطعه فكر يا بني جيداً. وغداً أنتظر منك الجواب.
في اليوم التالي كرر الرجل سؤاله. أجاب الفتى أنا جسمي. وأشار بكلتا يديه إلى جسده. قال الرجل يا بني جسمك يحتاج إلى غذاء صحي، وماء نقي، ومسكن مريح، وبيئة نظيفة، ورعاية صحية ودواء ورفاهية، فهل هذا مؤمَّن له؟ أعرف أن الجواب لا. ومع ذلك فجسمك هو جسمك، وليس أنت. أراك غداً.
في الغد كرر الرجل السؤال. وبثقة قال الفتى أنا نفسي، أي ذاتي. قال الرجل النفس أو الذات يجب أن تكون حرة حتى يتكنى بها الشخص.
فهل أنت حر حتى تمتلك نفساً حرة؟ أنت يا بني تخاف من أبيك ومن المجتمع ومن الشرطة ورجال الأمن، وأنت عبد للتقاليد والأعراف. لا تتجرأ أن تعلن عن أفكارك أو تصرح بآرائك. ومع ذلك، ليس هذا هو الموضوع. فسؤالي هو من أنت؟ فذاتك هي ليست أنت، بل هي ذاتك. إني منتظر جوابك في الغد.
في تلك الليلة أخذ السؤال منه وقتاً ليس بالتقصير. فالأمر ليس بالبساطة التي توهمها. وفي الغد عندما التقى الرجل بادره هذا بسؤاله هل عرفت يا ابن أخي من أنت؟ قال نعم. أنا كرامتي وعزة نفسي وما أحمل، قاطعه الرجل كرامتك ليست أنت. ثم أية كرامة هذه التي تتحدث عنها وأنت تنتمي إلى أمة تغنى بها أسلافك، وأنت ومن حولك تتغنون بها. فانظر إلى ما آلت إليها تلك الأمة، فهي ممزقة ومشرذمة تعاني تسلط حكامها، وتبعية معظم أقطارها للخارج. ومن هيمنة الاحتلال الصهيوني، ومن إملاءات العدو. ومن التفقير والتجويع والتجهيل وسلب الحرية. فعن أية كرامة أو عزة نفس تتحدث. لا علينا يا بني. فكرامتك هي كرامتك وليست أنت. فهل تستطيع أن تجيبني من أنت؟ سأنتظر يوماً آخر.
وبينما كان يفكر في تلك الليلة بالسؤال الصعب، خطر بباله جواب علّه يرضي سائله. في اليوم التالي عندما قابل الرجل أجاب بتردد أنا أفكاري وانتمائي، أقصد المبادئ التي ناضلت لأجلها وسعيت لتحقيقها. قال الرجل يا فتى، هل الشعارات والأيديولوجيات لعبت برأسك الصغير؟ لا بأس، لن أناقشك في هذا. فجيلنا حمل تلك الأوهام في رأسه معظم عمره، إن لم أقل عمره كله، ولم نحصل إلا على الخيبة والإحباط. وإن كنت أرى وآمل أن جيلكم أنتم قد يحقق ما عجزنا عن تحقيقه. لكن مبادئك وقيمك ليست أنت. فكر جيداً. وعسى أن توفق بالإجابة. فإلى الغد.
لم ينم الفتى في تلك الليلة وهو يفكر في السؤال الذي أصبح هاجسه. وفي اليوم التالي التقى الرجل، فبادره بالاعتراف أنه قد عجز عن الوصول إلى معرفة من هو. وقال له عمي، كُرمى للرسول قل لي من أنا؟ وأرح رأسي من هذا الهم.
ضحك الرجل وقال منذ سنوات وسنوات وأنا أسأل نفسي. هذا السؤال الصعب!
عقول الناس
أبو العلاء، المفكر الشاعر الفيلسوف، المتبحر في كل العلوم، ماضيها وحاضرها وهو البالغ الشفافية الإنسانية، الذي كان نباتياً، لا يقرب أكل اللحوم،
استنكاراً واستهجاناً للتعرض بالأذى لنعجة أو عصفور، وهو الذي بأم أذنه «لأنه كان فاقداً للبصر» قد شاهد ما شهدته البشرية من اقتتال ونزاعات بين الأديان المختلفة، وبين الطوائف والمذاهب في الدين الواحد.
فيلسوف المعرة تجاهل، وهو ليس بالجاهل، أن الأديان برمتها، مع كل تفرعاتها دعت إلى المحبة الإنسانية، وأن المنتمي، وليس الانتماء هو ما صنع تلك الحالة من مشكلات وتنافر، وبالضرورة بين البعض، وليس الكل، فالمنتمي الواعي يدرك حقيقة جوهر الأديان الداعية إلى إلهٍ واحدٍ، مع التسامي في السلوك والقيم والأخلاق، بعيداً عن المصالح الفردية والاجتماعية والسياسية التي أفرزت تلك الإحن والعداوات، منذ أول حادثة صدام حصلت في التاريخ الديني، وحتى حادثة إمبابة في العاصمة المصرية.
ليعذرني القارئ في وسيلة الإيضاح التالية:
يحدث أن شابين أو أكثر يتنازعون للحصول على قلب أنثى يغرمون بها، وهذا أمر مبرر لأن قلب هذه الأنثى لا يتسع إلا لشخص واحد.. فهل يشك المؤمن بالله، كائناً ما كان دينه أو مذهبه أو طائفته، أن قلب الله يتسع لجميع الخلق؟ وإن تتعدد الطرق إلى الله بتعدد أنفاس الخلائق، حسب رأي أحد المتصوفة، فأي جاهل أو مدع يظن أنه وحده أو جماعته وحدها تستأثر بقلب الله دون سائر البشر، كما الوطن الذي يتسع لجميع أبنائه المتعددة اتجاهاتهم وأفكارهم وانتماءاتهم، وأيضاً كما الكرة الأرضية التي تتسع، وتكفي ثرواتها الطبيعية لجميع أولاد آدم، مع أنهم خلال أشهر قليلة سيبلغ تعدادهم سبعة مليارات نسمة، حسب الإحصائيات الحديثة، ويستطيعون التعايش مع بعضهم بعضاً بسلام دون حروب أو نزاعات.
الأديان بجميع تفرعاتها ياعمنا المعري، نادت بالمحبة وأيضاً جميع الإيديولوجيات والنظريات الإنسانية دعت إلى العدالة والحرية والمساواة وغيرها من المقولات التي تحقق إنسانية الإنسان.
ومازال المتزمت والمبرمج والمتعصب والمتسلط وأحادي الرؤية، في كل زمان ومكان، يرى أن عقله هو الصح، وباقي العقول غير قابلة للتصحيح.
08-أيار-2021
29-شباط-2020 | |
01-شباط-2020 | |
14-كانون الأول-2019 | |
27-نيسان-2019 | |
23-آذار-2019 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |