الاستعمار وأغاني الألم واللوعة
2011-06-14
جيلنا لم يعاشر فضائيات الروتانا والميلودي والمزيكا وسواها من أقنية صرعة (الكليب). ولا ندري ماذا تخبئ الأقدار لهذا الجيل!
نحن جيل ينتمي إلى محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وأغنيات الحزن والألم واللوعة والأسى. تلك الأغنيات التي رافقت حياتنا في كل مراحلها. ذلك الأسى المشوب أحياناً ببعض الأمل الذي ربما يصيبنا منه نصيب. ولطالما رددنا أغنية أم كلثوم (إيمتى الهوى يجي سوا. وارتاح ولو بالعمر يوم).
غير أن هذا اليوم لم يكن وارداً على أجندة الأمة العربية أو الفرد العربي. فبعد الاستقلال مباشرة كان قرار التقسيم عام 1947، وبعد أقل من عام كانت نكبة فلسطين، أو نكبة الأمة العربية جمعاء بفلسطين. ثم كان العدوان الثلاثي على مصر إثر تأميم قناة السويس. ثم ثورة الجزائر التي كلفت مليون شهيد. ثم الوحدة مع مصر ثم الانفصال وحرب اليمن وهزيمة الخامس من حزيران، والنفوذ الأمريكي في المنطقة الذي حل محل النفوذين الفرنسي والإنكليزي، وما رافقه من كامب ديفيد وباقي الاتفاقات التي أدت إلى طرح السلام بدلاً من التحرير. ناهيك بحرب الخليج الأولى والثانية وعاصفة الصحراء ثم الاحتلال العسكري الأمريكي للعراق والتهديدات الأمريكية لباقي البلدان العربية.
لقد كان العرب يجتمعون على أم كلثوم وعلى حفلاتها التي كانت تقام في أول يوم خميس من كل شهر. ولم يكن ليتخلف أي مواطن عربي عن هذه السهرة ومتابعتها من المذياع في بيته أو في أحد البيوت التي كان يوجد فيها هذا الجهاز. وحين كانت الست (وهذا هو لقبها) تصرخ بالآه كان الرجال والنساء وحتى الأطفال يصرخون وراءها بتلك الآه. مثلما شيخ الكتاب والأطفال يرددون وراءه مما يحفظهم إياه من دروس. ولعل هذه الحالة هي الوحدة العربية الحقيقية التي كانت سائدة دون أن يسعى إليها نظام عربي أو يعارضها نظام آخر أو يقف بوجهها ويحول دون تحقيقها الاستعمار البغيض. ومثلما كانت هذه الآه تخرج من قلب مجروح لدى كل عربي يملك قلباً أو عاطفة، فكذلك كانت أية آهٍ تصدر عن أي قطر عربي كائناً ما كان مصدر جراحه أو آلامه، فإن صدى آهته تلك تلامس قلوب العرب جميعاً في كل الأوطان والأقطار، وكم كانت تلك الآهات ملأى بالجراح!
ولأن الاستعمار خبيث وماكر وعينه على البلدان العربية، ومتفرغ لها ولا عمل له سوى تدبير المكائد ضدها، فمن واجب الأنظمة والحكومات العربية حماية الوطن والمواطن والشعوب والأفراد التابعة لها، والموكل إليها حمايتهم والسهر على أمنهم وهي أدرى بمصلحتهم. إن تلك الأنظمة والحكومات لم تجد وسيلة لدرء الأذى عن شعوبها من ذلك الاستعمار والقوى الطامعة سوى تربيتهم على الطاعة والنظام وإلغاء كل ما يمكن أن يشوش فكرهم، كالصحف الحرة والانتخابات الحرة والتظاهر والإضراب وإبداء الرأي، ونسخ كل ما له علاقة بالحرية الفردية أو العامة. ولضمان ذلك هيأت لكل اثنين يتسارّان شخصاً ثالثاً يحشر نفسه بين فم الأول وأذن الثاني، إضافة إلى مراقبة الرسائل والهواتف والفاكسات والأنترنيتات لاكتشاف الضالين والخارجين عن السرب، لإعادة تربيتهم وتأهيلهم كيما يعودوا مواطنين صالحين، وذلك باحتجازهم في مجمعات إصلاحية يطلق عليها العوام اسم السجون. والغريب في الموضوع أن الأنظمة العربية يسارية كانت أم يمينية، تقدمية أم رجعية، ورغم ما فيها من خلاف وتباين في السياسة، إلا أنها تتساوى وتتفق جميعاً في تلك الأحكام ومعاملة مواطنيها. لا فرق بين دولة ملكية أو أميرية أو سلطانية أو جمهورية أو جماهيرية، ولا فرق أيضاً بين دولة كبيرة أو صغيرة أو متوسطة القياس.
حقيقة لا أعرف لماذا تطمع بنا الدول الاستعمارية. فنحن شعوب وقبائل تعيش خارج الزمن، وعلى رصيف الفقر. وكبار أثرياء العروبة أموالهم مودعة في مصارف تلك الدول. ومن تلك الدول نستورد كل شيء، وهي تتحكم بالأسعار، والمستوردون يتحكمون بنسب الأرباح التي تتحول إلى أرصدة لهم في تلك المصارف.
يقال إن المنطقة العربية تعيش على بحر من النفط. وإن النفط هو الذهب. وهو عصب الحياة المعاصرة. ومن يمتلك النفط يستطيع التحكم بالعالم. الحقيقة هذا كلام يذهب بالعقل. فنحن العرب نمتلك ذاك الثراء ونعيش هذا الفقر. بل وبسبب هذا الثراء الوهمي فإننا نعيش خطر الاستعمار وما يجر من ويلات على البلاد. وأيضاً نحيا حالة الخوف وغياب الحريات الذي تفرضه الأنظمة على المواطنين والعباد من سائر الشعوب العربية.
لعل الطبيعة أرادت أن تكرمنا نحن العرب، فوهبتنا تلك الثروة النفطية التي تُمكِّن من يمتلكها من التنعم بالثروة والتحكم بالعالم. غير أننا بسبب ما نعانيه من جهل وضعف وتشرذم، أصبحنا محكومين بقسوة من أنظمة محكومة هي الأخرى من الخارج. ولعل جيل الروتانا والميلودي والمزيكا وسواها من أقنية صرعة (الكليب) يمكنه في المستقبل الاستفادة من النفط أو التخلص منه برميه في البحر، فيتخلص من شبح الاستعمار، ومن تسلط الأنظمة الحاكمة. أما نحن جيل أم كلثوم فما زلنا نردد: (إيمتى الهوى يجي سوى وارتاح ولو بالعمر يوم).
08-أيار-2021
29-شباط-2020 | |
01-شباط-2020 | |
14-كانون الأول-2019 | |
27-نيسان-2019 | |
23-آذار-2019 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |