ربما نكون من البشر الأخيرين في هذا التكوين الإلهي المسمى الحياة البشرية،وربما يكون التطور البشري والتكنولوجي والحضاري الذي وصلت إليه الحضارة البشرية يلفظ أخر أنفاسه ...كونه لن يصل إلى مستوى الخيال الفكري لبني البشر ...فربما وأقول ربما لن نشاهد بساط ريح طائر ولن ننعم بما حلم به جول فيرن من آلات تحفر الأرض لنصل الى مركز العالم، ولن نطير بالطائرات الى القمر في رحلات روتينية..لأننا كنا أولاد سيئين لأمنا الأرض، أمنا التي أرهقناها كثيراً بصراعاتنا ومشاكلنا وأحرقنا أهداب الأرض في أشجارها ،وجففنا دموعها في أمطارها وسحقنا جوزها ولوزها في صخورها ،وعبثنا عبر قلبها في بحارها..
في زيارة هي الأولى من نوعها قام الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بزيارة الى القطب الجنوبي ،كي يطلع على التطورات الخطيرة والمأساوية التي خلفها التغير المناخي للكرة الأرضية على ذوبان خزان المياه الجوفية، وكانت النتيجة مرعبة أذهلت الأمين العام الذي أعلن بعد عودته:< جئت إليكم بعد أن رأيت بعضا من أثمن كنوز كوكبنا مهددة بأيدي البشر أنفسهم>،معرباً في الوقت نفسه عن وصول الجنس البشري في تعامله مع الأرض الى مرحلة اللاعودة فقد فقدت الأرض القدرة على ترميم نفسها في عدد من الحالات بسبب الغازات الدفيئة التي أنتجتها الحضارة البشرية.
فعلينا من الآن وصاعداً التأقلم على زيادة درجات الحرارة في الصيف الى حد غير معقول وغير محتمل، وما الفرق طالما أننا نملك مكيفات!! ...وعلينا أن نعتاد على ازدياد درجات البرودة والصقيع دون أمطار في الشتاء ،وما همنا فلدينا المدافئ ...!!وعلينا أن نقول وداعاً للفصول الأربعة ملوحين للربيع والخريف فلا داعي لهما بعد الآن !!.
ولكن ما هو ذنبنا نحن أولئك الذين نعيش بعيداً عن الصناعات الثقيلة والنووية؟، الذين أتينا في أخر العالم وفي نهاية الحلم أن ندفع الثمن بالكامل..
وماذا تبقى لنا من الحلم والعيش والتخييل؟ ،ما الذي نفعله ؟وكم هي صراعاتنا سخيفة حينما نقرأ لائحة المدن المهددة بالزوال مع ازدياد المد البحري،وكم هي أحزاننا بسيطة حينما نقارنها باتساع ثقب الأوزون... فقد وصلنا نقطة اللاعودة كما قالوا ،وإن أردنا فعلينا زراعة مئة مليار شجرة في الخمس سنوات القادمة فقط،والدول الصناعية ترفض الانصياع لاتفاقية كيوتو المناخية ،وكل في أموره، ونحن نتلاعب مع الأيام بينما المسرح يحتضر والسينما تنحسر ونحن نقاوم ...والهواء ينفذ والتلوث يقتل الأولاد ،والمياه تعلب في عبوات ،ونحن نرمي الكتب مقابل أقراص الأغاني ..
ماذا تبقى لنا ؟ كم حيوان سيبقى في الحديقة ليشاهده أحفادنا، وكم طائر سيبقى ليحلق في سمائنا...علينا شرب الشاي الأخضر قرب باب البيت ومراقبة الأرض كيلا تهتز فينا، وتطرحنا أرضاً غافلين..وعلينا في الوقت نفسه أن نردد: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان..
ما تبقى لنا هو الحلم، السعي نحو الكمال البشري فلا خيار لدينا، فإما الفناء وإما إكمال السعي نحو مقاومته، فالتجاهل أصبح قاتلاً والأرض لن تتحملنا أكثر وكلنا أمل ألا ترمينا من فوق ظهرها يوماً ما ...كما يفعل حصان جامح ملّ من راكبه الذي لم يعرف مسايسته....

كنا أولاداً سيئين، وإن أتى اعتذارنا فسيكون متأخراً، وهذا لن يشفع لنا.. فغضبها مفهوم ولنا أن نتأمل بحياة أخرى، أو برأفة.. ليكون لنا غد نأمل فيه شمساً دافئة وسماء زرقاء لأحفادنا وأولادنا ،ولهم أن يروا الدب الأبيض و النمر الأصفر وأن يقرؤوا شكسبير والمعري وأن يستمعوا الى موزارت، و يشاهدوا المسرح وهو يمارس احتضاره فلعلهم ينقذونه و لهم أيضاً دمشق بلا تلوث والقارات الست دون نقصان ومدن العالم كلها حتى لو لم يزوروها ..حسبهم أنها موجودة فقط.